“المحقق الالهي”… في مسلسل الفتنة

رواند بو ضرغم

بعد أكثر من سنة على اعتكافه عن استكمال التحقيقات في ملف انفجار مرفأ بيروت، نتيجة طلبات الرد المقدمة بحقه، استنبط المحقق العدلي طارق البيطار اجتهاداً قانونياً أتاح له العودة الى عمله، مع عدم إغفاله عنصر التشويق، عبر التسريب للاعلام فتوى عودته عشية استدعائه مجموعة من السياسيين والعسكريين والقضاة، وإطلاق سراح أربعة من الموقوفين.

وفي ضوء ما تقدم، فإن السؤال الذي لا بد من التوقف عنده هو: طالما أن البيطار قادر على الاستمرار في تحقيقاته، ولا يستطيع أحد إيقافه عبر طلبات الرد أو التنحي أو الاستبدال، لماذا انتظر أكثر من سنة ليبرز هذا الاجتهاد القانوني الذي شطر القضاء والرأي العام ووضع البلاد على فوهة فوضى أمنية خطيرة؟

يجاهر البيطار أمام من يلتقيهم من صحافيين ومؤثرين على الرأي العام، بأنه أقوى رجل مسيحي في الشرق، وأنه مرسل من الله لأجل إتمام هذه المهمة. وهو لا يتوانى عن الكشف أنه مهدد أمنياً من “حزب الله” وكما يقول “عارف حالي طاير”.

يعتبر البعض كلام البيطار دليلاً على جنون العظمة، أو مرض نفسي. أما عودته متحدياً القانون ومتخطياً مرجعياته فرآها البعض هفوة أو خرقاً ومخالفة للقانون، ما دفع بعض داعميه من المراجع القانونية الى الاعتراف بمخالفاته، وعلى رأسهم المدعي العام التمييزي السابق حاتم ماضي. والحقيقة أن استفاقة المحقق العدلي هي نتيجة توجيهات وإملاءات لا يراد منها خير البلاد، أو كشف حقيقة جريمة العصر، بغطاء من الفرنسيين (بعد لقاء البيطار مع القاضيين الفرنسيين) وبحماية من رئيس مجلس القضاء الأعلى سهيل عبود، وبحصاد أميركي في معركته بوجه “حزب الله”. لذلك تدرج بعض المصادر ما أقدم عليه البيطار في خانة المؤامرة، التي تبدأ من تسريب نيته الادعاء على رأسي مؤسستين أمنيتين وإستثناء الجيش، مع ما يعنيه ذلك على مستوى الوضع الأمني الهش أصلاً، مروراً بارتفاع سعر الدولار وتحليقه الى سقف غير مضبوط والدفع نحو عودة المواطنين الى الشارع، وصولاً الى استغلال قضية انفجار المرفأ كوسيلة للضغط على “حزب الله”، وتقسيم القضاء الى جسمين متخاصمين، على الرغم من أن المدعى عليهم غير محسوبين على الحزب مباشرة، إنما من حلفائه.

نفخ القضاء الفرنسي زنود البيطار، فاتخذ قراراً غير قانوني، ما أدى الى رد فعل المدعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات غير القانوني أيضاً. وبدأت الجهات الخارجية، من خلال حلفائها في الداخل من معارضة، بالتصويب على رد فعل عويدات، للتعمية على الفعل المخالف للقانون الأساس، ألا وهو تمرد البيطار.

هذه المؤامرة الخارجية، كما تسميها المصادر، تخلق جواً من التوتر على وقع المخاطر الأمنية والأزمات الاجتماعية، للدفع باتجاه انتخاب رئيس للجمهورية، معدّ سلفاً ومتفق عليه، هو قائد الجيش جوزيف عون. لذلك ترى هذه المصادر ما يحصل قضائياً حلقة من مسلسل أميركي – فرنسي طويل لإيصال عون الى سدة الرئاسة. وما استمرار دعم الأميركيين للجيش والقوى الأمنية سوى محاولة للحفاظ على المؤسسة التي يفترض أن تواجه “حزب الله” في يوم من الأيام. فهذا هو المشروع الخارجي الذي يُعد للبنان وفق ما تقول مصادر معنية لموقع “لبنان الكبير” والبيطار ليس سوى أداة من أدوات المعركة.

مجلس القضاء الأعلى أرجأ جلسته، متذرعاً بعدم وجوب الانعقاد على وقع ضغط الشارع، ولم يُحدد بعد موعداً لالتئامه من جديد، ولكن لا ينتظر منه أحد أن يبت بالسجال القضائي لأنه منقسم على نفسه. وما يُنتظر منه أن يخرج ببيان يدين ما قام به المحقق العدلي، ويشجب رد فعل المدعي العام التمييزي بإطلاق سراح الموقوفين، ولكن رئيس مجلس القضاء الأعلى لا يزال رافضاً للحلول ومستمراً في شعبويته وفي وضع القضاء والبلاد على سكة الانفجار.

شارك المقال