هل يفعّل معرض رشيد كرامي الدولي؟

زياد سامي عيتاني

قرّرت لجنة التراث العالمي في “اليونيسكو” إدراج معرض رشيد كرامي الدولي في طرابلس على قائمة التراث العالمي المعرّض للخطر، ليصبح للبنان ستة مواقع مصنّفة ضمن التراث العالمي، هي إضافة إلى المعرض: عنجر، بعلبك، جبيل، صور ووادي قاديشا.

فهل إدراج المعرض على تلك القائمة، على الرغم من الاشارة الملفتة الى أنه معرض للخطر (!) من شأنه أن يبعث الروح فيه مجدداً، بعدما حوّله الاهمال إلى جثة هامدة؟ خصوصاً وأنّ الطرابلسيين كانوا يعوّلون كثيراً على هذا المشروع الحيوي، ويعلقون آمالهم عليه، أملاً في أن يكون رافعة المدينة الاقتصادية، لأنهم كانوا موعودين بآلاف فرص العمل لو قدر أن يكون معرضاً دائماً، كما كان مقرراً له.

يوم تقرر وضع مخططات بناء معرض رشيد كرامي الدولي في ستينيات القرن الماضي كانت مدينة طرابلس التي اختيرت لاستضافته عاصمة حقيقية ثانية للبنان، وتعيش عصرها الذهبي، ويربطها ببيروت خط سكك حديدية، ومرفأها البحري ناشط، مع مشاريع لتشغيل مطار القليعات المجاور.

الرئيس شهاب صاحب الفكرة:

كان وراء مشروع المعرض رئيس الجمهورية الراحل فؤاد شهاب، الذي أراد للبنان معرضاً دائماً على غرار الدول المتقدمة، واختيرت قطعة أرض في ضواحي طرابلس كونها ثانية أكبر المدن في البلاد.

وسعى الرئيس شهاب إلى فرض نوع من الإنماء المتوازن، أثمر عن جعل طرابلس تكسب حق إحتضانه.

وفكرة إنشاء المعرض، جاءت نتيجة رواجها في بلدان أوروبية كثيرة في القرنين التاسع عشر والعشرين، بحيث إشتهر العديد من المعارض، وإنتقلت الفكرة إلى الدول المجاورة.

التصميم للمعماري البرازيلي نيماير:

كلف المعماري البرازيلي الشهير أوسكار نيماير سنة 1962، القيام بوضع كل التصاميم والدراسات المعمارية والعمرانية للمشروع، وحينها لم يوافق على فكرة السور المحيط بالمعرض، إذ اعتبره إمتداداً عاماً للمدينة، وجزءاً من نسيجها، وهو يجب أن يكون بمثابة ساحة عامة لأهلها، إلا أن الضغوط المحلية التي مورست لغايات أمنية، فرضت إنشاء السور مع لحظ فتحات ضيقة تسمح بالكاد بمشاهدة منشآت المعرض، الأمر الذي أزعج نيماير، لأن المنشآت منخفضة نسبياً، ولم يكن بالامكان رؤيتها إلا بعد دخول حرم المعرض.

مساحة المعرض ومنشآته:

مساحة المعرض خصص لها ما يقارب مليوني متر مربع من المساحات المبنية، لحظت: مواقف لحوالي خمسة آلاف سيارة وطريقاً دائرياً بعرض إثنين وثلاثين متراً ومسار طوله ثلاثة كيلومترات، ويحتل حوالي ثمانية بالمئة من مساحة وسط مدينة طرابلس.

ويضم تحفاً معمارية وهندسية عدّة منها: المسرح المكشوف، المسرح التجريبي، صالة العرض المقفلة، الجناح اللبناني، قاعة المؤتمرات، الفندق، متحف الفضاء، مكتب الادارة، بيت الضيافة، قاعة المعارض، برج خزان المياه، متحف السكن، البيت النموذجي، مبنى الجمارك والدفاع المدني.

وفيه 120 ألف متر من الحدائق، 20 ألف متر من البرك المائية، ونحو 20 ألف متر كسقف يمكن إستغلاله.

وبدأ تنفيذ المشروع عام 1964، لكنه لم ينته حتى العام 1975، ولكن قبل فترة قصيرة من إنتهائه، إندلعت الحرب وتوقّفت عملية بناء المعرض.

نهب وتخريب وثكنة عسكرية سورية:

مع توقف الأعمال في المعرض قبل إستكمال تشييده من جراء الأحداث، تعرض للسرقة والنهب والتخريب على يد فصائل وميليشيات عدّة.

ومع دخول الجيش السوري إلى لبنان تحوّل المعرض إلى منطقة عسكرية يُحرَّم على كل المدنيين دخولها، أو حتى الاقتراب منها.

الترميم الرديء:

أما بعد الحرب فقد إرتكبت أكبر الجرائم بحق المعرض، إذ إنطلقت أعمال ترميمه في العام 1994، ولكن بنوعية رديئة جداً، وهو ما ظهرت نتائجه سريعاً، إذ أصيبت المنشآت بإهتراء وتصدّع بعد مدة قصيرة.

وبسبب موقع المعرض المحاذي للشاطئ فإن منشآته عرضة للهواء المشبع بالأملاح والرطوبة. وبدأت الانهيارات بالظهور على بعض المنشآت منذ العام 2016.

فبعد إنهيار جزء من سقف المسرح المكشوف، هددت انهيارات جديدة برج المطعم وخزان المياه، حيث المظلة الرائعة التي تعد تحفة نادرة من الإبداع في التصميم المستقبلي. كذلك، كان ثمّة انهيارات في عناصر غير انشائية في الغطاء الكبير داخل الجزء المخصص للمعارض الدولية.

أمّا الجزء الثاني فغير مؤهل ومتروك منذ بنائه من دون معالجة السقف لحمايته من الأمطار والرطوبة ولا حتى طلاء الباطون بمواد مقاومة للكربون.

بعد وضع معرض رشيد كرامي الدولي على قائمة التراث العالمي، السؤال الذي يفرض نفسه: هل الوظيفة الاقتصادية التي وجد من أجلها المعرض، لا تزال قابلة للحياة، أم أن ثمة حاجة الى تغييرها، بما يتلاءم مع واقع المدينة واحتياجاتها؟

شارك المقال