مرشح المعارضة الديموقراطي!

عاصم عبد الرحمن

إحدى عشرة جلسة انتخابية لرئيس الجمهورية والنتيجة واحدة، أوراق بيض عائدة لقوى الثامن من آذار تحمل في طياتها سليمان فرنجية في مقابل مرشح المعارضة ميشال معوض، بالاضافة إلى بضعة أصوات تتوزع بين أسماء مختلفة كعصام خليفة، صلاح حنين وزياد بارود، وشعارات متنوعة كـ “لبنان الجديد” و”التوافق والحوار”، تزيد من حدة أبواب الحلول المقفلة تشدداً على وقع استفحال الخلافات والاختلافات بين القوى المعارِضة لنهج “حزب الله” والمختلفة معه، فهل من طريق آخر ديموقراطي يقود هذه القوى نحو مرشح توافقي في ما بينها؟

دعا رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى الاتعاظ من جلسات انتخابات رئاسة المجلس النيابي الأميركي التي امتدت نحو خمس عشرة جلسة حتى تمكن المجلس من انتخاب رئيسه، وفي هذه الحال لا بد من أن يُستفاد من المظاهر الديموقراطية التي عكستها هذه الانتخابات عبر إسقاطها على التجربة اللبنانية وانتخاب رئيس للجمهورية، فأمام تعدد القوى الناخبة والتي تتخطى الـ 60 نائباً بين نواب “القوات اللبنانية”، الحزب “الاشتراكي”، “الكتائب اللبنانية”، “قوى الثورة والتغيير”، “الاعتدال الوطني” و”تجدد” بالاضافة إلى النواب المستقلين وغيرهم ممن يصبون في الخانة المناوئة لـ “حزب الله” وحلفائه، ولأنه لكل منهم مرشحه أو شعاره أو خياره الذي لا يلتقي فيه مع الآخر، فلا بد من أن تلتقي جميع هذه القوى وتحت قبة البرلمان ومن دون الحاجة إلى المبيت في أرجائه، حول طاولة اقتراع ديموقراطي تنافسي حر، فترمي أسماء مرشحيها في صندوقة الإقتراع، وتعتمد خيار الجلسات المفتوحة حتى بلوغ أحد المرشحين ثلثي أصوات هذه القوى الناخبة؛ على أن يسبق ذلك تعهد سياسي شفهي أم مكتوب على شكل وثيقة تلتزم فيها بالاحتكام إلى نتائج جلسات هذه الانتخابات الرئاسية التمهيدية؛ لتعود وتدخل هذه القوى مجتمعةً حول خيارها الرئاسي التوافقي الديموقراطي الى جلسات انتخاب الرئيس أمام المعسكر الآخر الذي لا يزال يحاذر طرح مرشحه زعيم تيار “المردة” سليمان فرنجية ريثما تتأمن مظلة توافق داخلي وخارجي حوله.

إن من شأن إجراء هذه الانتخابات الرئاسية التمهيدية بين القوى المعارِضة أن يحقق جملة نتائج سياسية على صعيد ممارسة اللعبة الديموقراطية واحترام الأطر الدستورية نوجزها كالآتي:

– أولاً: خروج القوى المعارضة والتغييرية والمستقلة من حال الدوران في حلقة مفرغة ومن عملية البحث عن توحيد الخيارات السياسية والتفاهم الرئاسي الملحّْ.

– ثانياً: إعادة الاحترام إلى اللعبة الديموقراطية تحت قبة المؤسسات الدستورية التي من شأنها أن تستنبط الحلول للأزمات السياسية والقانونية والدستورية طبقاً للمعايير الديموقراطية.

– ثالثاً: خلق حالة سياسية وديموقراطية غير مسبوقة في تاريخ الانتخابات الرئاسية في لبنان تمهد لإرساء عرف ديموقراطي يصعب تخطيه في الاستحقاقات المقبلة وهو لا شك ما يتوق إليه معظم اللبنانيين.

وعلى وقع دخول هذه القوى بمرشحها الديموقراطي التوافقي جلسة انتخاب الرئيس أمام مرشح قوى 8 آذار تنتقل الانتخابات الرئاسية من واقع التأزم السياسي الحالي إلى مرحلة من الممارسة الديموقراطية التي تؤدي نتائجها إلى إرساء وضع سياسي جديد قوامه “الفائز يحكم والخاسر يعارض”، على اعتبار أنه سينسحب على الوضع الحكومي فذلك سيؤدي حتماً إلى تشكيل حكومة تعكس نتائج الانتخابات الرئاسية بعيداً عن حكومات الوحدة الوطنية أو التوافق الوطني التي عادةً ما تغرق في متاهات المحاصصة والتقاسم السلطوي وتوسيع النفوذ؛ فهذه الحكومات أثبتت فشلها الذريع في حكم البلاد وإيجاد الحلول وتسيير المرافق العامة، فكيف لقوى متخاصمة في السياسة أن تجتمع تحت سقف سلطة واحدة تدير شؤون البلاد؟

هنا لا بد من متابعة المسار الديموقراطي عبر القيام بالمحاسبة من خلال صناديق الاقتراع في الانتخابات النيابية المقبلة، وبذلك تستقيم اللعبة الديموقراطية ويُحترم الدستور والأهم ألا يُستخفّ بعقول اللبنانيين الذين سئموا تعليب الاتفاقات وتمرير الصفقات من دون حسيب قانوني أو رقيب دستوري يحفظ مصالح العباد والبلاد على السواء فتسقط بذلك قلاع الفاسدين والاستغلاليين الذين أطبقوا على أخضر لبنان ويباسه.

قد لا يتفق سياسيو لبنان واللعبة الديموقراطية فهم اعتادوا الوصفات الجاهزة والصفقات المعلبة على اعتبار أنها تخدم مصالحهم في الدرجة الأولى بعيداً عما يلبي طموحات اللبنانيين في بناء دولة المؤسسات والقانون التي تُسقط حصون الفساد، وبات الشعب ينقسم عملياً بين ثلاث فئات، فالأولى تتبع الأحزاب والثانية تعارضها والثالثة حيادية، وهنا لبُّ المشكلة ذلك أن الشعوب هم حكام التاريخ، فهل سيفتتح هذا الشعب يوماً جلسات محاكمته للسياسيين أم سيظل يرجئها تحت وطأة التفافهم حوله؟

شارك المقال