فديرالية “حزب الله” ممنوعة على الآخرين!

جورج حايك
جورج حايك

خطابياً واعلامياً، يكفّر “حزب الله” كل من يدعو إلى اعتماد النظام الفديرالي، وبخبث متقن يمزج بين الفديرالية والتقسيم، على الرغم من أنهما مختلفان على نحو كبير. أما على مستوى الممارسة فلا يختلف اثنان على أن “الحزب” يمارس فديرالية واضحة وفاقعة في مناطقه وبيئته.

لم تعد المشكلة مع “حزب الله” حول مبدأ السلاح وتمسّكه به، إنما أصبح الاعتقاد سائداً لدى شريحة كبيرة من اللبنانيين بأن الخلاف المركزي هو على الهوية اللبنانية بعد استقدامه هويات من خارج الحدود، فـ”الحزب” بات مشروعاً معادياً للبنان.

كيف؟ منذ 2005 بدأ “حزب الله” عملية انقلاب على الدستور والدولة والمؤسسات، بل ضرب الصيغة اللبنانية بروحيتها عبر استهدافه كل المكونات الرافضة للخضوع لاملاءاته ومصادرته القرار السياسي والسيادي، العسكري والأمني، وانخراطه في حروب عبثية من دون العودة إلى الدولة. وها هو اليوم، يستكمل مخططه “الانقلابي” في تعطيل الانتخابات الرئاسية الذي قد يؤدي إلى اضمحلال الدولة وتفقير الناس وتهجيرهم!.

واللافت أن “الحزب” يمارس سياسة التقية والباطنية فيما يضمر مشاريع خطيرة، ظاهرياً هو يركّز في خطاباته على مبادئ المقاومة والممانعة وإزالة اسرائيل من الوجود، الا أن جوهر مشروعه هو حكم الطائفة على الوطن، وبالتالي هو يرفض الفكرة اللبنانية من خلال استقدام قضايا عابرة للحدود قد تؤدي إلى حرب أهلية، فحرب 1975 وقعت بسبب إعطاء حرية الحركة للعمل الفدائي الفلسطيني من خلال اتفاقية القاهرة مما أدى إلى ذبح التجربة اللبنانية لأن مكوناً لبنانياً استقدم قضية عابرة للحدود هي القضية الفلسطينيّة، وأعطاها أسبقيّة على صيغة التعايش الوطني، فاندلعت حرب استمرت 15 سنة، وهذا ما يكرره اليوم “حزب الله”.

من هنا طفح الكيل لدى بعض القوى السياسية والفعاليات، وبدأت بطرح أفكار الفديرالية واللامركزية الموسّعة للتحرّر من هيمنة “الحزب”، وإذا استمر على هذا النهج من خلال تمسّكه بسلاحه واستقدام قضايا عابرة للحدود وتحويل لبنان الى أجندة إيرانية مصراً على توريط الشعب اللبناني في قضايا أكبر من أن يتحمّلها، فستزداد الدعوات إلى الفديرالية واللامركزية الموسّعة وربما نسمع أيضاً أصواتاً تطالب بالتقسيم. ومعلوم أن الفديرالية كنظام سياسي دستوري هي حل لنظام تعدّدي يشبه التعددية اللبنانية اذا كانت كل المكونات متوافقة عليه، عندها تستطيع هذه المجموعات، على اختلافها، تنظيم خلافاتها من خلال نظام فديرالي.

في المقابل، يُخوّن “حزب الله” كل من يطرح فكرة من هذا النوع بدءاً من اللامركزية الموسّعة مروراً بالفديرالية وصولاً إلى التقسيم، وهو يستعين في خصومته للدعوات الفديرالية بخطاب يساري بائد ينطوي على بعد مذهبي، ذاك أن الدعوة إليها صدرت من أوساط مسيحية، وُصفت بـ”التقسيمية والانعزالية”، علماً أن “الحزب” يمارس الـ”فديرالية” من دون أن تكون قد أقرت بنظام أو قانون أو اتفاق، بل لـ”الحزب” الحصة الأكبر في “الدولة المركزية” لكن له فديراليته المذهبية التي يمارس فيها سلطته الكاملة! فلمناطق الشيعة في لبنان استقلالها الأمني والاجتماعي والمالي، “الحزب” انعزل بها عن باقي المناطق اللبنانية.

ومن يتساءل: كيف يطبّق “الحزب” الفديرالية؟ فليتبعنا:

أولاً عسكرياً وأمنياً: في هذا القطاع، تجاوز “الحزب” مفهوم الفديرالية، إذ بات له جيش خاص يتكوّن من بيئته الشيعية، ويبلغ بإعترافه المئة ألف جندي، لا يكتفي بعملية “المقاومة” والدفاع عن لبنان، بل وسّع نشاطاته إلى المشاركة في حروب خارجية لمصلحة مرجعيته الاقليمية أي النظام الايراني الذي يزوّده بالسلاح والتدريب وكل ما يلزم من صواريخ بعيدة المدى. ومن البديهي أن مناطق نفوذ “الحزب” أي الضاحية الجنوبية والجنوب وبعلبك – الهرمل تخضع لرعايته الأمنية، عبر أجهزته البشرية والتكنولوجية مثل الكاميرات وما شابه.

ثانياً، مالياً عبر مؤسسة “القرض الحسن” التي تقوم بعمل شبيه بالمصرف ولكنها لا تملك ترخيصاً من مصرف لبنان، وهذا مخالف لقانون النقد والتسليف، وحتى لو تم تصنيفها كجمعية خيرية كما يعتبرها القيّمون عليها، فإنَّ هناك تعميماً من مصرف لبنان منذ العام 2017 يلزم الجمعيات التي تتعاطى النقد والتسليف (حتى الخيرية منها) بأن تكون مرتبطة بمصرف لبنان إلى حدٍ ما، وبموجبه المفروض أن تكون كل نشاطاتها وحساباتها من خلال المصارف، ولا يمكن أن يكون لها مراكز خاصة مستقلة تقوم بعمليات تسليف كما يفعل “القرض الحسن”. انها فديرالية مالية مقنّعة.

ثالثاً، مشروع صندوق التيسير للقروض الصغيرة: بناء على إعلان الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصر الله بتاريخ 7/7/2020 الجهاد الزراعي والصناعي، أطلقت مؤسسة “جهاد البناء” الانمائية بالتعاون مع جمعية مؤسسة “القرض الحسن”، مشروع صندوق التيسير للقروض الصغيرة الذي يمنح القروض حصراً، لتأسيس المشاريع المهنية والحرفية والزراعية وتطويرها مع إعطاء الأولوية للفئات الشابة. ويتم إعتماد الليرة اللبنانية في عمليات منح القروض وتسديدها، مع ترك هامش الاقتراض بالدولار لمن يرغب.

لذا تم فرز موازنة للمشروع، تقدر بمئة مليار ليرة لبنانية، ويبلغ الحد الأقصى لقيمة القرض 80 مليون ليرة لبنانية للشركات والتعاونيات، و40 مليون ليرة للأفراد، على أن تسدد هذه القروض، خلال 60 شهراً كحد أقصى، مع الاشارة الى أنها من دون فوائد .

رابعاً، اجتماعياً عبر “بطاقة السجاد” التي تهدف إلى دعم العائلات من جهة، ومحاربة التجار المحتكرين الذين استغلوا الأزمة لمضاعفة أرباحهم من جهة أخرى. أما كيفية عملها، فهي من خلال توزيع بطاقة الكترونية، محدد لها مبلغ أقصى لشراء المواد الغذائية والمستلزمات الحياتية، والافادة من الحسومات بقيمة 300 ألف ليرة لكل عائلة. أما الجهة المستفيدة فهي العوائل كافة، ما عدا عائلات الأفراد الذين يعملون في “الحزب”، وتخصص لهم برامج دعم أخرى. بالتوازي قام “الحزب” بتجهيز التعاونيات والمخازن المخصصة للبيع، إضافة إلى تأمين خطوط توريد وتجهيز مستودعات تخزين ضخمة المواد، لضمان استقرار الأمن الغذائي لفترة طويلة. وعلى صعيد الخدمات الطبية والاستشفائية، فإن البطاقة تقدم أيضاً حسومات على قيمة معاينات الأطباء والخدمات العلاجية، في مراكز “الحزب” الصحية المختلفة.

خامساً، اقتصادياً عبر التهريب إلى سوريا وغيرها، واستيراد البضائع من دون دفع الضرائب والرسوم الجمركية، إضافة إلى تهريب المخدرات والكبتاغون إلى أنحاء العالم كافة.

سادساً، قضائياً إذ يجنّد “الحزب” مجموعة كبيرة من القضاة الذين يدورون في فلك الممانعة، إضافة إلى انحياز واضح للمحكمة العسكرية اليه.

إذاً، لا يفتقر “الحزب” إلى مقوّمات الفديرالية، بل يبدو سباقاً في هذا المجال، فلماذا “يتكهرب” عندما يطرحها الآخرون؟ فعلياً، لا تلائم الفديرالية على مستوى الوطن “الحزب” لأنها تحرر الشعب اللبناني -الرهينة، بحيث يصبح استهداف “الحزب” وعزله وإفقاره وتحميله مسؤولية تصرفاته أمر سهل، وهذا ما لا يريده بأي شكل من الأشكال، لأن سرّ قوته في وضع واجهات ضعيفة وإدارة البلد بطريقة مافياوية وفق معادلة “السلاح والفساد”.

لا بد من المصارحة بأن “حزب الله” يدفع اللبنانيين، بشكل أو بآخر، إلى إعادة النظر في التركيبة السياسية اللبنانية، ونحن عند هذا المنعطف!

شارك المقال