تسلّل “مجاهدين” من سوريا إلى الشمال؟

إسراء ديب
إسراء ديب

يعود ملف تهريب “البشر” إلى الواجهة من جديد عبر بوابة “وادي خالد” المفتوحة على مصراعيها منذ أعوام لتهريب البشر والحجر بين سوريا ولبنان، اذ تداولت وسائل إعلامية مختلفة في الفترة الأخيرة هذه الآفة المعروفة في هذه المنطقة الحدودية، لكن هذه المرّة لتتحدّث عن حصول عملية تهريب “مجاهدين” معظمهم من الشمال وعودتهم إليه لا سيما إلى طرابلس، خصوصاً بعد تراجع المواجهات ضمن صفوف المقاتلين في إدلب السورية واحتمال حدوث تقارب تركي – سوري يدفع المئات من العائلات إلى التوجه خلسة إلى شمال لبنان.

ولم يكن الاشتباك المجهول الذي وقع في الوادي منذ أيّام (ولم تُعرف أسبابه ودوافعه الحقيقية حتّى اللحظة)، سوى إشارة رأى البعض أنّها تُؤكّد خطورة الوضع في المنطقة بسبب التهريب أو الخارجين عن القانون، بحيث تداولت معلومات أنّ سبب الاشتباك الأوّل يعود إلى خطف نازح سوري بقصد السرقة والابتزاز، فيما أشارت معطيات أخرى إلى خلاف وقع بين مهرّبين أدّى إلى وقوع هذا الاشكال، لكن وفق معطيات “لبنان الكبير” فإنّ “النزاع كان ماليّاً لا أكثر، وقد حصل الاشتباك بين مجموعة من التجار الخارجين عن القانون باستخدام الأسلحة عشوائياً بعيداً عن عين الدّولة الغافلة عن هذه البقعة الجغرافية منذ زمن”.

ولا يُعدّ التهريب أزمة جديدة في وادي خالد، فهو مهنة معتمدة في المنطقة بسبب النطاق الجغرافي الحساس الذي يربطها بسوريا، ولكن يكشف مصدر موثوق من المنطقة أنّ الحديث عن انتقال مئات العائلات من سوريا إلى لبنان للهرب أو الحديث عن انتقال مقاتلين إلى لبنان، أمر غير منطقيّ على الاطلاق. ويقول لـ “لبنان الكبير”: “تُعرف وادي خالد بالتهريب الذي يحدث يومياً، ويُمكننا الحديث عن نوعين من التهريب، الأوّل يكمن في التهريب المادّي وهنا يُمكننا ذكر تهريب المازوت أخيراً، وهو الغائب تماماً عن الشعب السوري الذي يضطر إلى طلب تنكة مازوت من إحدى محطات المحروقات على الحدود لشرائها قبل عودته إلى بلاده، أمّا التهريب البشري فهو النوع الثاني الذي يحدث منذ سنوات بلا توقف لأسباب عدّة بعيدة عن الإرهاب الذي يتمّ زج المناطق الشمالية فيه”.

وإذْ يُؤكّد المصدر صعوبة دخول بعض السوريين بطريقة نظامية بسبب الشروط الأمنية “التعجيزية” وحصول التهريب بعلم الدّولة، يُشير الى أنّ الحدود مفتوحة من النهر، العريضة إلى المصنع ما يسمح لعشرات السوريين بالمرور يومياً. ويوضح أن “السوري حتّى لو دخل بطريقة نظامية، فلن يُدرك أحد هوية الارهابي وغيره من الناس، فلا توجد داتا للسوريين أو بأسماء الإرهابيين الذين يتحدّثون عنهم أولاً، كما لا يُمكن الكشف عن هوية أحد المقاتلين إلّا في حال القيام بتعميم اسمه مثلاً وليس بحكم إعلامي صادر من دون إثباتات وأدلة ثانياً، وبالتالي إنّ دخول السوريين إلى لبنان بطريقة غير نظامية له أسباب عدّة لكن بعيدة عن سيناريو الإرهاب تماماً، فمنذ أعوام ونحن ندرك أنّ مقاتلين يُحاربون في سوريا ولا يلقى القبض على أيّ منهم”.

ويُضيف: “لا يُمكن إنكار الوضع الصعب الذي يعيشه السوريون في بلادهم من حرب، غلاء وجوع الأمر الذي يدفعهم إلى التوجه إلى لبنان والعودة منه بطريقة مخالفة للنظام لأسباب مختلفة يُمكن ذكر أبرزها: رغبتهم في السفر بطريقة غير شرعية عبر البحر من لبنان، عدم رغبتهم في دفع 100 دولار أميركيّ عند الحدود السورية وذلك نظراً الى الخسارة التي سيتعرّضون لها مع السلطات السورية التي تقوم بصرافة هذا المبلغ وخصم قسم كبير منه حسب سعر صرف الدولار في سوريا، ما يدفعهم إلى التسلّل عبر الحدود ودفع مليون ليرة فقط لتهريبهم، أو بسبب قيام عائلات سورية بالانتقال إلى لبنان للعمل والعودة تسلّلاً إلى سوريا خوفاً من الخدمة العسكرية الإلزامية أو تشابه الأسماء وغيرها من الأسباب…”.

ويتساءل المصدر: “إنّ عودة العائلات هرباً من إعادة فرض النظام سيطرته على مناطقهم واردة، لكن هل يُعقل خروجهم من مناطق بسط النظام سيطرته عليها؟ ولو رغب بعضهم في الهروب قبل التسوية السورية – التركية، كيف يُمكنه المرور من المناطق التي يُسيطر عليها النظام الذي يُمسك بزمام الأمور فيها ولا مانع لديه أساساً من قتل هذه العائلات وأبنائها، لا سيما أهالي إدلب المناهضة لسياسته منذ بداية الأزمة السورية عام 2011؟”.

ويرى مرجع سياسي شماليّ أنّ عملية زجّ طرابلس في هذه القضية خطير للغاية خصوصاً في هذه الظروف الأمنية الصعبة، معتبراً أنّ الاعلاميين يتسرّعون في إطلاق أحكامهم وتسهيل مهمّاتهم الصحافية عبر وضع طرابلس في قلب الحدث الأصعب، من خلال إظهارها أنّها بؤرة للإرهاب والإرهابيين، وكأنّ الإعلام سلطة أمنية لها روايات مبتكرة. ويتابع قائلاً لـ “لبنان الكبير”: “اطلعنا على معلومات تٌشير إلى انتقال مقاتلين من حلبا العكارية إلى طرابلس، ولا يُعدّ هذا الخبر صحيحاً على الاطلاق، وإذا كان صحيحاً فلن يتمّ التحدّث عن كيانات إرهابية أو خلايا خارجة عن القانون في المدينة، لأنّ طرابلس لن تكون بيئة مؤاتية لهذا المناخ الذي يُشوّه صورتها من جديد، وإذا أصرّ البعض على إعادة زجّ طرابلس في هذا السيناريو لأنّها (اللبيسة) دائماً، فمن المتوقّع هربهم عبر البحر أو اختفاؤهم وعدم ظهورهم إلى العلن”.

شارك المقال