المواجهة الشاملة أقرب مما نتوقع؟

زاهر أبو حمدة

انتهى الشهر الأول من العام، ودّعت فلسطين فيه 35 شهيداً، من ضمنهم 10 في مجزرة جنين الأسبوع الماضي. وكان الرد الفلسطيني الميداني عبر الفدائي خيري علقم في القدس، فقتل 7 مستوطنين. هذه العملية غيّرت المعادلة الميدانية، فحضر وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن على وجه السرعة، لا سيما بعد قرارات القيادة الفلسطينية وأهمها وقف التنسيق الأمني.

قدم الرئيس الفلسطيني محمود عباس، لبلينكن، خطة للتهدئة والعودة إلى وضع ما قبل الانتفاضة الثانية عام 2000، حسب القناة 12 العبرية. اقترح أبو مازن الاعلان عن فترة من 3 إلى 6 أشهر لتهدئة التوتر، وخلالها ستتخذ إجراءات منها وقف التوسع الاستيطاني، وتجنب تغيير الترتيبات في الأقصى، ووقف انتشار القوات الاسرائيلية في منطقة “أ” ووقف هدم المنازل. في مقابل أن تستأنف السلطة الفلسطينية التنسيق الأمني مع الاحتلال والامتناع عن تقديم طلبات العضوية في المنظمات الدولية الأخرى. وتضيف القناة، أن من المشكوك فيه ما إذا كان هذا الاقتراح من الفلسطينيين يمكن أن يكون بمثابة أساس لتحسين الوضع على الأرض.

ما إن غادر بلينكن المنطقة، حتى زاد التنكيل بالأسرى الفلسطينيين. فأطلقت الأسيرات الفلسطينيات صرخة من سجن “الدامون”. لم يكن التسريب الصرخة صدفة إنما إشارة الى أن أمراً ما يحصل في السجون الاسرائيلية يجب وقفه. انتشر مقطع صوتي دعَوْن فيه إلى تحريرهن من سجون الاحتلال حيث يتعرضن للتنكيل والاضطهاد. وتساءلت الأسيرات وعددهن 29 على لسان إحداهن “من سينتصر لنا ويلقن العدو درساً يتعلم منه ألا يتطاول على بناتكم؟”. وذكّرت الأسيرات بانتصار الأسير يوسف المبحوح العام الماضي للأسيرات، وطالبن بإنهاء عزلهن ووقف كل أشكال التنكيل المستمرة بحقهن، والكشف عن مصير الأسيرة ياسمين شعبان التي نقلت خارج سجن “الدامون”، وشددن على أن السجون ستبقى في حالة استنفار. وأمام ظروف الأسرى الصعبة بعد قرارات وزير الأمن القومي الإسرائيلي ايتمار بن غفير، أصبح وضعهم أشبه بالكارثي. وتفيد هيئة الأسرى، بـ”استمرار إغلاق السجون كافة لليوم الثالث على التوالي”. ونقلت تأكيد الحركة الأسيرة جاهزيتها لكل أشكال المواجهة. وبالفعل بدأ الأسرى، بإرجاع وجبة الإفطار، وعدم الخروج لما يسمى “الفحص الأمني”. وتسود حالة من التوتر في سجون الاحتلال، بعد الاعتداء بالضرب على عدد من الأسيرات، ورشهن بالغاز المسيل للدموع ورذاذ الفلفل، والتنكيل بالأسرى في سجون عدة، واستمرار عزل عدد منهم.

معروف أن قضية الأسرى حساسة بالنسبة الى الشعب الفلسطيني، خصوصاً وأن في سجون الاحتلال نحو 4700 أسير بينهم 29 امرأة و150 طفلاً وقاصراً، ويخوضون باستمرار معركة ضد إدارة السجون، للمطالبة بحقوقهم وللاحتجاج على الاجراءات التنكيلية المتخذة بحقهم. وتنتظرهم إجراءات لهم ولذويهم، فالوزير بن غفير يعتزم تقديم مشروع قانون لاعدام الأسرى بـ”الكرسي الكهربائي”.

وبالتالي، الرد الفلسطيني ثأراً للأسرى سيكون بالصواريخ من غزة، بعد رسائل كثيرة نقلتها المقاومة الى الوسطاء المصريين. وأكدت فصائل المقاومة في الرسائل، أن استمرار الاعتداءات على الأسرى من شأنه أن يعمل على انفجار الأوضاع الميدانية، وأنها لن تقبل بأن تنفرد سلطات الاحتلال بالأسرى. أما في القدس والضفة فيتابع الفلسطينيون إطلاق النار ضد المستوطنات والحواجز الإسرائيلية، وفي أي لحظة يمكن أن يرد خبر عاجل جديد حول عملية فدائية. وهكذا سيكون خيار القوة عند الاحتلال مزيد من ردود الفعل الفلسطينية الثأرية.

يعرف الاحتلال أن العام 2023، سيكون عام التصعيد بعد نهاية الأفق السياسي وتنفيذ المخططات الاسرائيلية. ويعرض التقويم الاستراتيجي المقدم من معهد دراسات الأمن القومي (INSS) إلى رئيس دولة إسرائيل، التهديدات الاستراتيجية، ويحدد الساحة الفلسطينية بأنها الأكثر تفجراً في العام الحالي. ويرى أن “هناك تزايداً في حالة الصحوة الفلسطينية الثورية، ويمكن أن تشتعل أكثر”. وسيعرض خلال الأسابيع القليلة المقبلة، على المجلس الوزاري الاسرائيلي المصغر “الكابنيت”، الجديد بقيادة بنيامين نتنياهو، السيناريو المحدث للحرب والمتوقع أن تشهده جبهة غزة أو لبنان. ويرجح السيناريو الجديد، أن تتسع رقعة الأحداث داخل مناطق فلسطين المحتلة والمواجهات في مناطق أكثر من تلك التي سجلت في عملية “سيف القدس” في أيار 2021، وأن تتسع المواجهة لتكون على جبهات الشمال والجنوب في آن واحد. والأهم أن التوقع الاسرائيلي بالتصعيد الكبير سيتحول تدريجياً نحو المواجهة الشاملة. والأخطر أن حكومة نتنياهو، تريد تنفيذ مخططاتها وسط انشغال العالم بحرب أوكرانيا، لكن يمكن للأنظار أن تتجه مجدداً إلى الوطن العربي في معركة أخرى لن تكون كسابقاتها.

شارك المقال