“ذا غارديان”: إيران أسوأ عدو لنفسها وعواقب خطيرة للانتخابات

حسناء بو حرفوش

نشر موقع “ذا غارديان” البريطاني عن مرصده الإعلامي أن عواقب أي فوز للمتشددين في الانتخابات الرئاسية الإيرانية لن تأتي وخيمة فقط على الإيرانيين وحدهم، بل على السلام العالمي ككل، محذراً من أن أكبر عدو لبلد غني بالموارد والثقافة هو النظام نفسه. وفيما يأتي ترجمة للمقال الذي نشر في افتتاحية الصحيفة.

“لا تتوفر للناخبين الإيرانيين المحاصرين خيارات عدة في ما يتعلق بالانتخابات الرئاسية المرتقبة يوم الجمعة المقبل. فقد حرص النظام الذي يسيطر عليه المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، المحافظ المناهض للغرب بشدة، على التلاعب لضمان فوز رئيس السلطة القضائية، المرشح المتشدد إبراهيم رئيسي الذي يتبع نهجاً موافقاً لنهجه. وعلى الرغم من الغياب شبه التام لأي تشويق حول نتيجة الانتخابات، قد يترك هذا الاستحقاق أثراً بعيد المدى في الداخل الإيراني وعلى الصعيد الدولي. وتنذر العواقب السلبية المحتملة لمجرى المحادثات بالخطر حول البرنامج النووي الإيراني والعلاقات السلمية مع إسرائيل والسعودية والغرب والحروب في سوريا واليمن، بالإضافة للتوازنات الجيوسياسية والمواطنين الإيرانيين.

ولم يستفد الإيرانيون البتة من وصول الأصوليين الذين اختطفوا الثورة الإسلامية في العام 1979 إلى مفاصل الحكم. ومن المؤسف أن هذا البلد الاستثنائي والغني بالمواهب البشرية والثقافة والتاريخ والموارد محكوم بهذا الشكل. وقد تدهورت الأمور من سيء إلى أسوأ منذ الانتخابات الرئاسية الأخيرة في العام 2017، ويعود ذلك بشكل أساسي إلى القيادة الفاسدة وغير الكفؤة والضغينة الأميركية. إلىوقد أدى تراجع الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب عن الاتفاق النووي الذي وافقت عليه الأمم المتحدة مع طهران وفرضه لعقوبات جديدة في العام 2018، إلى تقويض جهود الرئيس الوسطي الحالي حسن روحاني، لتحسين العلاقات مع الغرب بشكل حاسم. وقد شجع هذا الانهيار المتشددين الذين سيطروا بالفعل على الوزارات الرئيسية وعلى فيلق الحرس الثوري الإسلامي.

كما أعقب ذلك مشاكل اقتصادية حادة ترافقت مع اضطرابات اجتماعية، وولد مظاهرات قوبلت بقمع شديد للمتظاهرين ولنشطاء المجتمع المدني، لا سيما في العام 2019؛ وتصاعدت وتيرة عمليات الإعدام وإصدار الأحكام بالسجن بحق المعارضين السياسيين كما ترجم تصاعد وطأة العداوة للغرب، من خلال المعاملة اللاإنسانية التي مارسها رئيسي ضضد مزدوجي الجنسية الأبرياء مثل نازانين زاغاري راتكليف، البريطانية من أصل إيراني والمعتقلة في إيران بتهمة التجسس. وتترك كل هذه الممارسات تأثيراً مخيفاً بشكل واضح على المشاركة الديمقراطية، لا سيما في صفوف الشباب الإيرانيين الذين فقدوا الأمل بالتغيير الإيجابي. ومن المتوقع أن تنخفض نسبة المشاركة في الانتخابات إلى أقل من 40٪ حيث حثت منشورات انتشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي على مقاطعتها (…) ومن شأن المشاركة المنخفضة أن تضر بمصداقية النظام، لكن المتشددين لن يعيروا ذلك أدنى اهتمام.

أحلام خطيرة

ومن خلال تزوير الانتخابات، اقترب خامنئي، المرشد الأعلى منذ العام 1989 والذي يبلغ 82 عاماً الآن، من تحقيق هدفه الديني والعقائدي بتأسيس “مجتمع إسلامي” متدين خال من الملوثات العلمانية والغربية. وهو يسعى لإبراز إيران كنموذج للدول ذات الأغلبية المسلمة في جميع أنحاء العالم. كما يتحدث معاونوه عن ضرورة “تطهير الثورة”. وتبدو أحلام هذا الرجل العجوز خطيرة للغاية. ومن المتوقع أن يمدد الفوز المرتقب لرئيسي، سياسة خامنئي المتمثلة بتعبئة الحكومة بمؤيدين من الحرس الثوري الإيراني وقوات الباسيج شبه العسكرية. وبالتالي، قد تتلاشى الآمال بالإصلاح الداخلي وبصفحة جديدة مع أوروبا والمملكة العربية السعودية بعد أن أعطتها الاتصالات غير الرسمية الأخيرة دفعة إلى الإمام. وعوضاً عن ذلك، ستتقرب طهران من الصين وروسيا على الأرجح.

كما يهدد ذلك المفاوضات غير المباشرة مع الولايات المتحدة بشأن إحياء الاتفاق النووي، الذي يقترب من ذروته في فيينا هذا الأسبوع، بشدة. وعرضت واشنطن رفع العقوبات بشكل جزئي مقابل تجديد إيران امتثالها للشروط، لكن الكثير من المتشددين لن يسروا بأي نجاح ينسب لروحاني في اللحظة الأخيرة. وسيسعدون، على غرار المراقبين الإسرائيليين، بانهيار المحادثات. وفي سياق متصل، لن يساهم إبعاد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الذي طال انتظاره هذا الأسبوع وتشكيل حكومة جديدة في القدس كثيراً بالحد من التوترات. وأياً كان المسؤول في السلطة، تتمسك إسرائيل بحسب ما يظهر هجومها الأخير على منشأة نطنز النووية الإيرانية، بحرب ظل شبه سرية مع إيران.

أخيرا، إذا انتصر المتشددون يوم الجمعة، من المتوقع أن يواصلوا لا بد وأن يضاعفوا الضغط على إسرائيل عبر وكلائهم في غزة وسوريا ولبنان. كما يمكنهم أن يحرضوا، مدفوعين بنجاحهم، حماس على استئناف الأعمال القتالية، أو أن يثيروا المزيد من المتاعب في الخليج أو أن يدفعوا باتجاه التصعيد في اليمن. وتشير هجمات الطائرات المسيرة بدون طيار للميليشيات الشيعية الأخيرة ضد القوات الأميركية في العراق إلى احتمال انتقال التصعيد إلى منطقة أخرى. وربما تبدو هذه المخاوف مبالغة. لنأمل ذلك! ولكن على الرغم من كل شيء، تكشف المهزلة الانتخابية في إيران مرة أخرى، الانقاب عن حقيقة غير مطمئنة: على الرغم من كل العداء الموجه إليها من الخارج، تبقى إيران أسوأ عدو لنفسها”.

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً