الدوران السياسي في الحلقات المفرغة!

رامي الريّس

صحيحٌ أن ثمة إتصالات سياسيّة خارجيّة يشهدها الملف الرئاسي اللبناني المعطّل منذ أواخر تشرين الأول/أكتوبر ٢٠٢٢، إلا أنها لا تزال خجولة ولا ترقى إلى مستوى المبادرات الجديّة الكفيلة بإحداث الخرق المطلوب وتصاعد الدخان الأبيض، ما يدفع النواب اللبنانيين إلى القيام بواجبهم بانتخاب رئيس جديد للجمهوريّة من دون إفقاد النصاب والالتفاف على الأصول الديموقراطيّة.

من هنا، فإن استمرار تعويل بعض القوى اللبنانيّة المحليّة على تبلور قريب لتفاهمات خارجيّة تسحب نفسها على الواقع الداخلي دونه العديد من العقبات التي تتمثّل بشكل أساس في قلة الاكتراث الدولي، باستثناء ربما الاهتمام الفرنسي غير المنقطع بلبنان إنطلاقاً من اعتبارات تاريخيّة وسياسيّة وعاطفيّة، وهو ما يعني أن الانشغالات الدوليّة أبعد ما تكون عن القضيّة اللبنانيّة التي أصبحت مملة للعديد من أطراف المجتمع الدولي وقد فقدوا الأمل من حصول تغيير جدي في لبنان.

من المؤشرات الأساسيّة على ذلك، مثلاً، قرار البنك الدولي وقف تمويل مشروع استجرار الطاقة من مصر والأردن إلى لبنان بسبب عدم امتثاله للمطالب الاصلاحيّة البديهيّة التي تتكرّر من دون فائدة (ولأسباب سياسيّة أخرى) بطبيعة الحال. فسياسة التسويف والمماطلة التي شهدها قطاع الطاقة اللبناني منذ سنوات خلت، وفي طليعتها تعيين الهيئة الناظمة، تقدّم دليلاً حيّاً للهيئات الدوليّة على طريقة الادارة اللبنانيّة التافهة لأنها تقوم وفق سياسات “الزواريب” الضيّقة، إذ بات معلوماً أن المطلوب تعديل القانون قبل تعيين الهيئة لافراغها من دورها والإبقاء على الصلاحيّات بيد الوزير!

والأمر ذاته ينطبق على معظم القطاعات الأخرى: عدم إصدار قانون “الكابيتال كونترول”، إعادة هيكلة المصارف التجاريّة، ضبط الهدر والفساد، وإقرار خطة شاملة للتعافي الاقتصادي تتيح تطبيق مسارات محددة للحد التدريجي من النزيف الكبير الذي تشهده البلاد.

الدوران في حلقة مفرغة بات مثيراً للاشمئزاز واليأس، على الرغم من أن إمكانيّات الإنقاذ متوافرة. لبنان يمتلك الرأسمال البشري وتزدهر فيه روح المبادرة الفرديّة وكل ما يحتاجه أهله هو الحد الأدنى من الاستقرار السياسي والاقتصادي والمالي الذي يمكن من خلاله إعادة النهوض مجدداً.

المطلوب توافر الإرادة السياسيّة قبل كل شيء، وهي للأسف، غير متوافرة!

شارك المقال