في السباق بين معوّض وفرنجيّة وعون

جورج حايك
جورج حايك

لا شك في أن الساحة اللبنانية السياسية تشهد حراكاً رئاسياً لافتاً ولو لم يصل إلى نتيجة حتى الآن، ويلتقي هذا الحراك المحلي مع حراك دولي أكثر خجلاً. ويتمحور كل هذا الحراك الداخلي والخارجي حول ثلاثة أسماء: ميشال معوّض، سليمان فرنجيّة وقائد الجيش العماد جوزف عون.

ينشط رئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط على الخط الرئاسي، ولعل حركته السياسية في الأسبوع الفائت كانت الأبرز، إلى جانب حركة البطريركية المارونية، والتقى وفد اشتراكي البطريرك بشارة بطرس الراعي ووضعه في أجواء ما توصل اليه جنبلاط. وقد يظن فريق 8 آذار أن جنبلاط تخلى عن ترشيح رئيس “حركة الاستقلال” ميشال معوض، إلا أن اتصالات غير مباشرة جرت مؤخراً بين “الاشتراكي” ومعوض، صوّبت المساعي، أي أن لا تكون المفاوضات من دون علمه إذا كانت جديّة حول إسم مرشّح بديل يمتلك مواصفات المرشّح الانقاذي، الاصلاحي والسيادي. مع ذلك، لا تبدو المعارضة في وارد التخلي عن معوّض وخصوصاً “القوات اللبنانية” و”الكتائب” قبل التأكد من تخلي قوى 8 آذار وتحديداً الثنائي الشيعي عن ترشيح رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية، والاتفاق على إسم ثالث تجتمع حوله كل القوى السياسية ويكون أهلاً للثقة.

في المقابل، أجهض “حزب الله” حركة جنبلاط من خلال تمسّكه بفرنجية، ولا يزال يطرحه كمرشّح توافقي، وهنا كانت نقطة الاختلاف مع جنبلاط الذي انطلق من معادلة واضحة: إذا كان فريق 8 آذار يعتبر معوّض مرشّح تحد، كذلك الفريق السيادي المعارض يعتبر فرنجية مرشّح تحد، وبالتالي الواحد يلغي الآخر، وعلينا البحث عن إسم ثالث، فبادر إلى طرح ثلاثة أسماء: صلاح حنين، جهاد أزعور والعماد جوزف عون. هذا ما سمعه وفد “حزب الله” من جنبلاط، لكن “الحزب” لم يتوقف عن تكرار جلسات الحوارات الثنائية معه، علماً أنه لم يقتنع بمعادلته، لأنه يعتبر معوض مرشح تحد وإسماً “محروقاً” من خلال جلسات انتخابية متتالية لم يستطع أن يؤمّن فيها 50 صوتاً، فيما لا يزال فرنجية متقدماً في السباق ومرضياً عنه لدى مكوّنات لبنانية عدة ولا يستفز عواصم القرار.

ويعلم “الحزب” أن العماد عون يشكّل نقطة التقاء مع الفريق الآخر، ويبدو أنه الاسم الموثوق به دولياً، لكنه يرفض البحث فيه، ولو أن التعاطي معه كقائد للجيش لم يكن سيئاً. مع ذلك، يخاف “الحزب” من رجل مثل عون آتٍ من مؤسسة عسكرية ناجحة، له علاقات ممتازة مع الأميركيين، بأن يكون عرضة للتأثير الدولي المناهض له، وخصوصاً أن التجربة مع الرئيس السابق ميشال سليمان، الآتي من الجيش، لم تكن موفقة في العامين الأخيرين من عهده، إذ كانت مواقفه مناهضة للمقاومة في ما يخص النأي بالنفس والحياد عبر “إعلان بعبدا”.

أما قوة العماد عون فتكمن في صمته، فهو لم يعلن ترشيحه يوماً ومع ذلك باتت حظوظه أقوى من كل المرشحين، علماً أن هناك التفافاً شعبياً لافتاً حوله في الفترة الأخيرة، وقد فُهمت زيارة السفير السعودي وليد بخاري إلى اليرزة على أنها رسالة واضحة بموافقة السعودية على قائد الجيش رئيساً للجمهورية. إضافة إلى ذلك، فقد تناهى من خلال زيارة النائب وائل أبو فاعور إلى السعودية، كلام غير مشجّع حيال ترشّح فرنجية، إذ اعتبر أن مواصفات الدول الخمس المعنية بالشأن اللبناني لا تتطابق مع خطه السياسي، علماً أن الأخير لم يسع جدياً إلى العبور نحو مساحة وسطيّة توافقيّة مشتركة إلا كلامياً، وهذا ما يرفضه الفريق السيادي المعارض.

في موازاة ذلك، كُلّف البطريرك الراعي بعد القمة الروحية التي شهدتها بكركي، مهمة جمع النواب المسيحيين، لكي يمارسوا دورهم في عملية الانتخاب في المجلس النيابي بعد الاتفاق على مرشح رئاسي. لكن يبدو أن هذه المبادرة ستبوء بالفشل، لأنها مغامرة غير مضمونة النتائج. إلا أن قبول البطريرك بالقيام بهذه المبادرة يعني اعترافه بأن مشكلة الاستحقاق الرئاسي هي عند المسيحيين وحدهم، فيما يبدو أن قرار التعطيل هو في حارة حريك. لا شك في أن الانتخاب يجب أن يحصل في البرلمان، لذا على بكركي أن تبقى الصوت الصارخ دفاعاً عن ثوابت الكنيسة المارونية بقيام الدولة الفعلية السيدة على أرضها. كما أن الانقسام العمودي في البلد هو بين فريقين سياسيين يضم كل منهما نواباً من مختلف الطوائف، الأول لديه مرشح رئاسي ويضغط لانتخاب رئيس، والثاني يعرقل جلسات الانتخاب بسلاح الورقة البيضاء وتعطيل النصاب والرهان على الوقت وتعب اللبنانيين من الشغور لانتخاب رئيس ممانع يُبقي لبنان في الانهيار!

أما رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل وفرنجية اللذان كثّفا زياراتهما إلى بكركي مؤخراً، فيواكبان “حزب الله” في تعطيل الجلسات. فتيار “المردة” الحليف لـ”الحزب” لم يجرؤ في الانتخابات السابقة على المشاركة في جلسات الانتخاب على الرغم من حظوظه المرتفعة تلافياً لإغضاب الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصر الله، و”التيار الوطني الحر” المختلف مع نصر الله اليوم لا يجرؤ على تبنّي مرشّح المعارضة أو التفاهم معها على مرشح قادر على إخراج لبنان من أزمته ونكبته على الرغم من الضجيج الذي يحدثه عن خلاف مع شريكه الممانع، وذلك تجنباً أيضاً لإغضاب نصر الله، وبالتالي ماذا سيقدّم أي لقاء مسيحي في ظل هذه الصورة؟!

ومن هذا المنطلق لا حاجة الى حوارات مسيحية أو وطنية بمشهديّة لا يريدها الشعب اللبناني، لأن قرار التعطيل هو في حارة حريك، وبقدر ما يتم الضغط على الفريق المعطّل، بقدر ما يضطر إلى التراجع عن تعطيله، فيما التجاوب مع أي حوار يعني تقديم خدمة عن وعي أو عدم إدراك للفريق المعطّل.

ويبقى أن الخلاف هو بين مشروعين سياسيين:

– الأول مشروع الممانعة الذي حوّل الدولة اللبنانية إلى دولة مارقة، وهذا المشروع يضم مسيحيين ومسلمين.

– الثاني مشروع الانتفاضة في شقيها 14 آذار و17 تشرين ويضم شرائح المجتمع اللبناني وطوائفه كلّها سعياً إلى دولة وسيادة وسلاح واحد وقضاء وعدالة لا يمكن تأمينها سوى من خلال شخصيات إصلاحية وسيادية.

شارك المقال