تاريخ بيروت حافل بزلازل قلبتها رأساً على عقب

زياد سامي عيتاني

إستفاق اللبنانيون بعيد الساعة الثالثة من فجر الاثنين في بغتة من الزمن مذعورين مهلوعين ومتوجسين من جراء الهزة الأرضية القوية غير المسبوقة منذ عقود من الزمن التي ضربت البلاد، وألحقت الرعب والارتياع بالعباد.

ووسط حالة من الذعر والخوف والضياع، عادت الذاكرة باللبنانيين إلى ما تناقلته كتب التاريخ عن سلسلة الزلازل التي طالت بيروت وعدداً من المدن اللبنانية عبر التاريخ، وكان بعضها كفيلاً بتدميرها عن بكرة أبيها.

فالتاريخ البعيد والقريب لمدينة بيروت حافل سجله بالزلازل التي قلبتها رأساً على عقب، كان من أبرزها، الزلزال المدمر الذى أودى بمعهد القانون الذي إشتهرت به المدينة في العهد الروماني، ووضع نهاية لعهد من الازدهار.

وورد في كتب التاريخ، عن زلازل ضربت بيروت ما بين القرنين الرابع والسادس بعد الميلاد، واعتقد حينذاك عامة الناس أنها عقوبة بسبب عبادة الأصنام وعدم الاستجابة للديانة المسيحية.

ومن خلال هذا التقرير نستعرض أبرز الزلازل والهزات التي ضربت بيروت عبر التاريخ القديم والحديث:

زلزال 349:

حدث زلزال عظيم في القرن الرابع الميلادي سنة 349 مع بداية إنتشار الدين المسيحي، وظن كثيرون من الوثنيين حينها أن سببه غضب إلهي، فاعتنقوا المسيحية.

“تسونامي” 365:

في العام 365، بلغت سواحل بيروت موجات “تسونامي” عالية تلت زلزال جزيرة كريت الذي قدرت شدته بأكثر من 8 درجات على مقياس ريختر حسب المؤرخين المعاصرين. وبلغ ارتفاع موجات “تسونامي” عشرة أمتار، وخلفت أضراراً واسعة في مناطق عديدة من العاصمة.

هزتا 494 – 502:

حدثت هزتان في العامين 494 و502 ووصل الدمار والخراب الى صور وصيدا، وكانتا بمثابة بداية لسلسلة متلاحقة من الزلازل المتكررة كان أقواها في العامين 551 و555.

زلزال 528:

في العام 529 حدث زلزال إعتبرت دائرة المعارف الإسلامية أنه الذي وضع حداً للحياة في بيروت.

زلزال 551 المدمر:

أكبر الكوارث الطبيعية التي حلت ببيروت، كانت في العام 551، أثناء عهد الملك البيزنطي جستنيان الأول، بحيث عاشت المدينة حينها على وقع أسوأ أزماتها بسبب زلزال بلغت شدته 7.5 درجات ونال العلامة X حسب مقياس ميركالي المعدل (Mercalli intensity scale) وسبّب موجات “تسونامي” طالت عدداً من المدن البيزنطية.

وحسب علماء الجيولوجيا المعاصرون والنصوص التي تعود الى حقبة البيزنطيين ما بين القرنين الخامس والسادس، فقد ضرب زلزال مدمر مناطق لبنان يوم 9 تموز عام 551، فخلّف دماراً واسعاً وخرّب مدناً عدة بين صور وطرابلس، وكانت بيروت ضمن أكثر المدن تضرراً بفعل الكارثة. وتحدث الرجل المعروف بحاج بياتشنزا (Piacenza)، في مذكرات رحلته عبر مختلف المدن عن خراب بيروت وتحولها الى كومة كبيرة من الحطام والحجارة ومقتل أكثر من 30 ألف شخص في هذه المدينة وحدها.

زلزال 1202:

ومن الزلازل التي ذكرها المؤرخون أيضاً زلزال عام 1157 وزلزال عام 1170. الا أن زلزال عام 1202 هدم مدناً عديدة ودفن عدداً كبيراً من الناس في جميع أنحاء سوريا ومصر أحياء تحت الركام. وقال مؤرخون عنه إنه أدّى إلى إنخساف في السواحل اللبنانية وغرق العديد من الجزر الصغيرة والتي لم يبق منها إلا جزيرة الأرانب على ساحل مدينة طرابلس.

زلزال 1795:

في 19 تشرين الأول سنة 1759م ضرب بيروت زلزال ضخم ودمّرها تدميراً كاملاً بالاضافة الى العديد من المدن الأخرى.

3 هزات في 16 آذار 1956:

مساء الجمعة 16 آذار 1956 بين الساعة 9:35 و9:45، تعرّض لبنان لثلاث هزات أرضية، مركزها الروافد السفلية لنهر بسري، وشملت مجمل ساحل المتوسط الشرقي (لبنان، فلسطين وسوريا).

وكان للقرى المحيطة بالنهر نصيبها الأكبر من الفاجعة، بحيث دمر بعضها بصورة كاملة: روم، عازور، شحيم، جون، قيتولي وكفرحتى.

وإمتدّت آثار الزلزال إلى دائرة ثانية كبرى تصل إلى صيدا. وكذلك وصل تأثيره إلى بيروت التي تصدّع العديد من أبنيتها، وأصيب أهلها بالهلع. بقيت السلطات متكتمة في الساعات الأولى على وقوع الكارثة. تأخّرت الإغاثة والإسعافات، ثم تأخرت المساعدات من غذاء وأغطية وخيم، وبات المنكوبون الليالي الأولى في العراء. فكتبت يومها جريدة “الحياة”: “هل تعرفون أنّ الزلزال شق جبل نيحا؟”.

ووصف تقرير في جريدة “الأنباء” مشهد الإنهيارات على جوانب الطرقات بعد جسر الدامور: “هنا صخر كبير تدحرج إلى الطريق، وهناك شجرة ضخمة نامت على الأرض”.

أما جريدة “النهار” فأحصت الدمار والقتلى: “الطريق بين مزبود وشحيم أصبح مهدداً بالإنهيار. أما جنوباً، ففي جباع تهدّم أكثر من 200 بيت وأصيبت البيوت الأخرى بصدوع”.

في المقابل، كانت الكارثة أقل وقعاً في بيروت، لكنْ لم يخلُ المشهد من الرعب والهلع. على إثر الهزة الأولى، تعالى الصراخ وهرع عشرات الآلاف إلى ساحة الشهداء من البنايات القائمة حولها وفي جوارها.

إبتعد الناس عن العمران، واصطفوا على الأرصفة، ومنهم من فرّ بالسيارات إلى بولفار المطار، وإتجه آخرون من بيروت إلى الأرياف في ظلّ زحمة على محطات الوقود وحالة من الذعر.

وامتلأ “حرج بيروت” بآلاف الناس، الذين وفدوا من كل مكان وجلسوا في الهواء الطلق هاربين من المنازل واصطحبوا معهم أولادهم وأغراضهم الضرورية، في حين لجأ البعض الآخر إلى المعابد.

أما المساجين فأصيبوا بالذعر وأضرم بعضهم النيران في السجن في محاولة للهرب، وأصبحت أحياء المدينة شبه خاوية.

بعد هذه الكوارث التي حلت ببيروت عبر التاريخ، تعرضت تباعاً لهزات محدودة التأثير، إلى أن إستفاق اللبنانيون جميعاً قبيل طلوع الفجر مذعورين بسبب شدة الهزة التي ضربت البلاد من جراء الزلزال الذي أصاب تركيا.

شارك المقال