إجتماع باريس… دعم إنساني لرفع العتب

فاطمة حوحو
فاطمة حوحو

ما الذي سيحققه اللقاء الخماسي في باريس بين ممثلي فرنسا والولايات المتحدة والسعودية ومصر وقطر؟ وماذا سيكون عليه الحال بعد تشدد الدول المشاركة والتي تعكس وجهات نظر دولية أخرى، في ضرورة بسط سيادة الدولة اللبنانية وحصرية السلاح والاصلاحات المطلوبة وسد الفراغ برئيس لا يخضع لاملاءات “حزب الله” وايران ولا يعطل سير المؤسسات؟

بحسب مصادر سياسية فان اجتماع باريس لا يخرج عما ورد في البيان الثلاثي الأول الصادر عن السعودية والولايات المتحدة وفرنسا والذي يعكس التوافق على رعاية الدولة اللبنانية لجهة انتخاب رئيس أو لجهة منع تمدد ايران واستخدام لبنان ضد العالم العربي والغربي. ولكن طبعاً رئاسة الجمهورية هي الأساس للبدء بالتوافقات السياسية لأن موضوع استعادة الجمهورية هو موضوع سياسي في الدرجة الأولى، ولذلك الذهاب نحو انتخاب رئيس جمهورية يذلل العقبات أمام القضايا الأخرى، لا سيما أن مضمون المشكلة اللبنانية ومعالجتها بات اقتصادياً بحتاً، فلا اعانات ولا مساعدات من دون التوافق مع صندوق النقد الدولي وبالتالي هناك شروط يجب التفاوض على أساسها، ومن هنا السؤال إن كانت هذه الدول المجتمعة تحاول دعم موقفها السياسي في اطار أنها قادرة على إخراج لبنان من أزمته السياسية لمساعدته في الحل الاقتصادي؟ وهنا بيت القصيد الذي يتوقف الجميع عنده، اذا كان التقاطع على المصالح السياسية الغربية تحت مسميات منع تمدد ايران وتقليم أظفارها في المنطقة وقد يحصل ضمن تسويات معينة بين هذه الدول الكبرى وتحديداً فرنسا الناطق الرسمي باسم التوجه الغربي والسياسة الأميركية فيبقى السؤال الأساس من سيدعم لبنان مالياً واقتصادياً؟

وتشير المصادر الى أن هذا الاجتماع تأجل في السابق، لأنه لم يكن هناك نضوج في المواقف السياسية الخارجية التي تتقاطع مصالحها بالدرجة الأولى مع أميركا لجهة اعادة احياء الملف النووي، أو الفرنسيين لجهة المصلحة الاقتصادية التي تربطهم بايران، وبالتالي كان الطرفان يحاولان عبر هذا التقاطع تقديم تسويات ضمنية من أجل فرضها على المجتمع الدولي. لكن المملكة العربية السعودية قالت إنها لن تضع فيتو على أي مرشح لبناني ولم تقف ضد أي تسوية سياسية داخلية، ولكن في النهاية أي رئيس يأتي من الخارج لن يكون مدعوماً من اللبنانيين ويمثل مصلحتهم، اما من يأتي به “حزب الله” فليمثل مصالح الحزب وينفذ أوامره وأجندته، وبالتالي يأسر لبنان لمدة ست سنوات. والمواقف السعودية تقول ان لبنان يعيش في ظل فساد الطبقة التي سيطرت عليه لفترة زمنية معينة، سحبت أموال اللبنانيين والدولة والأموال المقدمة من الخارج وسحبت أموالها لتضعها في الخارج، ومن هنا السعودية لن تدفع أموالاً لمجرد الدفع انما هذه الاموال ستكون من اليوم وصاعداً أموالاً استثمارية تعود على لبنان وعلى السعودية بالفائدة.

اذاً، لا حياة للمشروع الفرنسي الذي يحاول أن يقوم بتسوية سياسية تتبلور فيها صورة ايمانويل ماكرون اللامعة. وبالطبع الولايات المتحدة توافق على تسويات لكنها لا تغطي مالياً، والجمهوريون يشيرون في مناقشاتهم في الكونغرس الى اعادة النظر بالهبات التي تقدم للجيش اللبناني من أجل مساعدته بخمسين أو بستين مليون دولار، لأنهم كما يقولون ينفذ ويحمي ويأتمر بأمرة “حزب الله” الذي يمون على كل شاردة وواردة في البلد، وبالتالي يجب أن لا يكونوا معنيين بتمويله وقطع المعونة عنه، وهذا موقف سىء جداً يقول للفرنسيين: اذا أردتم فتح العلاقات مع “حزب الله” على حساب الآخرين فموّلوا أنتم لبنان ومؤسساته وجيشه، لكن فرنسا تبحث عمن يمولها ويقدم لها أموالاً، وهذا يعني أن اجتماع باريس ليس أكثر من عملية تشاور بين هذه الدول تضع توصيات وتوجهات من دون حلول لأن الظروف لم تنضج بعد على الساحة الدولية لانتاج حل يرضي اللبنانيين. كما أن حضور ممثلين مستشارين ومساعدي وزراء خارجية يعني أنه مجرد اجتماع هامشي يرفع مقررات واقتراحات الى رؤساء حكومات الدول المشاركة، وبالتالي العملية لن تكون سريعة فالعقبات خارجية وهذه الدول لا تريد الخوض في مشاريع وتفاصيل وحلول للبنان قبل بناء استراتجية موحدة يتم العمل على أساسها.

وبحسب هذه المصادر فان “الجديد هو دخول مصر وقطر، المشاورات توسعت والموقف العربي بدأ يفتح دائرة موسعة لاحتضان لبنان كما عبّرت الخارجية المصرية، وعلى الدول العربية الانخراط أكثر فأكثر في عملية حماية لبنان والخروج بمواقف قد تكون ضاغطة على الأطراف والدول لتأمين انتخابات رئاسة الجمهورية في لبنان، وربما هنا المطلوب المشاركة الفعلية لدول الاعتدال كي تضع موقفاً موحداً من الأزمة اللبنانية وبالتالي لن تكون السعودية اللاعب الوحيد، فإدخال مصر وتحديداً قطر التي تعتبر معنية بالملف اللبناني بحسب التوجهات الخليجية للقول بأن العرب جميعهم باتوا معنيين صفاً واحداً بتنفيذ استراتيجية هادفة الى حماية لبنان محصنة من الدول العربية دول الاعتدال، ومن الدول الغربية بتوحيد الموقف الأوروبي الأميركي لجهة عدم تقاطع مصالح أحدهما والتفرد بلبنان وانجاز تسوية مع ايران على حساب الدولة اللبنانية والموقف العربي. اذاً هذه هي الأهمية في المشاركة فقط”.

وبرأي هذه المصادر فإنه لا يعوّل على مشروع اجتماع باريس بانتاج حلول لأن لبنان ليس جاهزاً فعلياً، وربما مواقف النواب الذين زاروا الولايات المتحدة مجتمعين أم منفردين عادوا بانطباع بأن غالبية الساسة الأميركيين كانت تتوافق على نقطة أساسية هي أن اللبنانيين معنيون في الدرجة الأولى بالتوافق على الذهاب لانتخاب رئيس جمهورية بواسطة الضغط البرلماني والمجتمع المدني والحقوقي، وربما هذه التوجهات قالتها مساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بأن لا أحد يستطيع التدخل في شؤونكم الداخلية طالما أنتم غير معنيين وغير مبالين لما يطالب به. من هنا، لا بد من القول ان المواقف الغربية تتوافق على قاعدة أن الداخل هو الأساس، لكن هناك اشارات من السعودية بأنها لا تريد رئيساً ممولاً ومدعوماً من “حزب الله” حتى لو كان الفرنسي يوافق عليه لحل مشكلاته، فليتكفل ماكرون بتقديم المساعدات الى لبنان على نفقته الخاصة. والادارة الأميركية توقفت عند التطبيع السوري – التركي ونصحت كل الدول العربية بعدم الذهاب نحو التطبيع مع بشار الأسد لأن الأمور لم تنته وعزلته لم تحل، وهي رسالة واضحة بأن سليمان فرنجية غير مقبول لأنه صديق بشار ولن يستطيع أن يجد له لا حماية دولية ولا عربية.

شارك المقال