العقوبات على الدول… تؤثر في الأنظمة أم شعوبها؟

محمد شمس الدين

الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا وسوريا وتسبب بمقتل الآلاف فتح نقاشاً بشأن “قانون قيصر” والعقوبات على سوريا. فالدولة السورية تقول إن العقوبات تمنع الاغاثة الانسانية، بينما الولايات المتحدة تؤكد أن هناك استثناء للأعمال الانسانية من العقوبات. وبغض النظر عما إذا كان هذا الأمر صحيحاً أم لا، لكن من المؤكد أن العقوبات تؤثر في أي دولة، وتتسبب بأزمة اقتصادية لا يمكن لبلد عانى الحرب الأهلية لأكثر من ١٠ سنوات أن يصمد أمامها. وبالتأكيد فان العقوبات وإن كانت لا تمنع وصول معدات طبية بصورة مباشرة إلا أن لها دوراً في ذلك بطريقة غير مباشرة. وهنا يطرح السؤال: هل العقوبات التي تقرها أميركا أو غيرها من الدول تؤثر فعلاً في الأنظمة؟ هل نفعت في تغيير نظام ما؟ هل استطاعت أميركا أن تغير توجه أحد الأنظمة واستمالته لصالحها عبر العقوبات؟

الخبير في العلاقات الدولية علي حمود أشار في حديث لموقع “لبنان الكبير” الى أن “العقوبات هي جزء لا يتجزأ من الديبلوماسية التي تقرها دول ضد أخرى، إما لحماية مصالحها وأمنها القومي، أو لحماية القانون الدولي، وهي إما تكون أحادية، أي أن تفرض دولة منفردة العقوبات أو تقرها الجمعية العامة للأمم المتحدة”، موضحاً أن “العقوبات متنوعة، قد تكون اقتصادية أو عسكرية، وحتى يمكن أن تكون بيئية ورياضية، ولكن الأكثر تأثيراً من دون تدخل عسكري هي العقوبات الاقتصادية والتجارية، التي تفرض حظر التجارة على دول ما، ولعل أكبر مثال على ذلك هو العراق، فقبل أن يتم التوجه نحو الخيار العسكري، كان يخضع للعقوبات، تحت عنوان النفط مقابل الغذاء.”

أما عن فعالية العقوبات، فرأى حمود أنه “لا يمكن الاستهانة بفعاليتها ولكن حتى مؤيدو فكرة العقوبات يعتبرون أن العقوبات متعددة الأطراف لا تتخطى فعاليتها الـ ٣٣٪؜، وأنها عقاب جماعي لمعاقبة شخص واحد، وهي تؤثر في الشعب كله إن فرضت على دولة لا على نظام هذه الدولة، فحاكم النظام وحاشيته يعيشون حياتهم برفاهية بينما الشعب هو من يعاني سوء التغذية ونقص الاستشفاء وأموراً أخرى من تدني درجة الحياة”.

قد لا تكون العقوبات تؤثر مباشرة في الأعمال الانسانية، ولكن بالطريقة غير المباشرة، وتحديداً بعد أكثر من ١١ سنة من الحرب، لها تأثير كبير، فالايرادات القليلة التي تجنيها الدولة السورية يجب أن تقسم انفاقاتها بين الخدمات والدفاع، بل ان الكفة تميل لجهة الدفاع والعسكر أكثر، كون سوريا دولة عسكرية، مما يبقي القليل من المال لخطط الطوارئ في حال حصول كوارث طبيعية، ولأن زلزالاً بهذه القوة التدميرية يكون فيه الفرق بين الحياة والموت لحظة، يمكن الاعتبار أن العقوبات على سوريا تؤثر على الأعمال الانسانية بسبب نقص الأجهزة المناسبة والمواد الطبية.

أما لجهة فعالية العقوبات، فإذا نظرنا إلى التاريخ، نجد أنها لا تؤثر في الأنظمة فعلياً، حتى لو تسببت بحصول ثورات في البلاد التي تفرض عليها، تقوم الأنظمة بتغطية فئة من الشعب، عادة ما تكون من العسكر للمحافظة على بقائها، وحتى لو نشبت حرب أهلية إن لم يحصل تدخل خارجي يبقى النظام صامداً، وأكبر دليل على ذلك الدول التي تتعرض لعقوبات اليوم، فالعقوبات على روسيا لم توقف الحرب في أوكرانيا، ولم تستطع وقف التجارب النووية في كوريا، ولم تدفع إيران إلى التنازل عن اندفاعاتها النووية، ولذلك العقوبات لا تؤثر فعلياً في نظام أي دولة، إنما المعاقب الأكبر عادة ما يكون الشعب.

شارك المقال