هل اللبناني شمعة تنطفئ؟

محمد علي فرحات

التعطيل والعرقلة هما كل ما يجيده العاملون في الشأن السياسي. وهل بقيت هناك سياسة في لبنان بعدما تشظى الوطن الصغير تبعاً لتشظي المشرق العربي وتهافت بناه السياسية والاقتصادية والاجتماعية؟

هناك قضايا مستعصية عند مفترق طرق لبنان، وكما أن اجتماع اللبنانيين كان صعباً دائماً فان افتراقهم هذه الأيام يبدو صعباً أيضاً، فالتجمعات الطائفية لا تعرف الى أين تسير وكيف تسير. وكذلك الأفراد يعيشون حال ضياع ويستوي في ذلك المقيم والمهاجر. وقد فقدت المرجعيات الاقليمية حماستها للتدخل في الشأن اللبناني لأنه مجلبة لضياع الوقت بعدما كان لتأكيد الوجود في صراع النفوذ. كان لبنان مرآة المشرق وقد انكسرت المرآة في وجوه أصحابها وفي أيدي من يحاولون اصلاحها.

وليس الضياع ما يعيشه اللبنانيون وحسب، بل فقدان المعنى والقدرة على ابتكار معان جديدة كان يولدها العيش المشترك والحس الديموقراطي العملي وممارسة الحوار وصولاً الى الخيال الخلاق.

هذا التراجع يبدو مصحوباً بالبلادة والتكرار الممل، فقليلة هي الأفكار السياسية الخلاقة لكون منابعها غير متجددة. وتصل الندرة الى الأعمال الابداعية في اللغة والصورة والصوت واللون، لأن المجتمع جامد يهجس بالماضي ليحفظ جذوراً تحولت الى أغلال تجمد أصحابها في مكانهم لا يتحركون.

ومن مظاهر البلادة التي تضمر التحايل والتبرير الأحمق لأخطاء تصل الى حد سرقة أموال الغير، البيان الذي أصدرته جمعية المصارف مبررة اضرابها، ومدينة التحركات المطلبية للمودعين التي وصلت الى العنف ضد مؤسسات مصرفية ومنازل بعض مالكيها. يتهم البيان المتظاهرين بأنهم “مجموعة من المدفوعين المرتزقة”، ويعزو ضياع حقوق المودعين الى أن المصارف “تودع ودائع زبائنها لدى مصرف لبنان تنفيذاً للتعاميم وتماشياً مع أصول التعامل المصرفي العالمي” (!) “فتستخدم هذه الأموال رغم ارادتها لدعم سعر الصرف ولتمويل الدولة، ثم تتنصل الدولة من اعادتها الخ…”.

ولن نكمل لأن البيان يستخف بعقول قارئيه، فالمصارف كانت شاهداً وشريكاً في تثبيت سعر الصرف المؤدي الى استنزاف أموال المودعين، وكانت ترى ذلك بأم العين سنة بعد سنة وعقداً بعد عقد، وتشارك في تلك السرقة البلهاء التي مورست بحق أموال هي ملك أصحابها وليست في أي حال ملكاً لمصرف لبنان أو للمصارف الخاصة. ولن نتناول ما هو موضوع برسم القضاء المحلي والقضاء الدولي حول مصير أموال المودعين، أي حقوقهم، بين مصرف مركزي لبناني مفلس أو على حافة الافلاس، وتحويلات بمليارات الدولارات مطلوب التحقق من مالكيها الحقيقيين وفضح الذين استولوا عليها في ألعاب مصرفية لبنانية خلف أبواب مغلقة. هناك مسؤولية على الحكومات اللبنانية المتعاقبة، ولكن لا يستطيع أصحاب المصارف نفض أيديهم من المسؤولية المباشرة عن أموال أودعت لديهم، وهم المسؤولون عنها أينما كانت وعن رعايتها وحفظها كما هي واجبات المصارف في العالم، لا كما ينسب اليها  أصحاب المصارف اللبنانية زوراً كأنهم يخاطبون جمهوراً فاقد الأهلية.

حقوق المودعين واحدة من مشكلات يواجهها اللبنانيون في بيوتهم وفي الشوارع وفي ما تبقى من أماكن العمل. مشكلات يومية معقدة ومتشابكة قد تدفع الناس الى اليأس.

اليأس هو المطلوب فهل تيأس الشعوب وتنطفئ مثل شموع في هواء الليل؟

لن يحصل ذلك. نحن داخل شبكة البؤس المعقدة، ولا بد أن يتحرر اللبنانيون من السجن وحراسه البدائيين محترفي السرقة.

شارك المقال