بيروت… وسر “الأب والابن”!

ياسين شبلي
ياسين شبلي

مع بداية العام الجديد، كتبت عن بيروت “الكئيبة” بغياب “سعدها” كما بدت لي يومها بصراحة من دون تملق أو تدليس. بيروت هذه هي نفسها بدت لي الأسبوع الماضي، سعيدة على الرغم من كل الأحوال السيئة التي يمر بها الوطن وهي في مكان القلب منه، بدت سعيدة – ولو لأيام قليلة – وكأن روحها ردت إليها وذلك بعودة “سعدها” الذي يمثل لها الأمل بمستقبل أفضل.

كان يوم 14 شباط هذا العام على الرغم من رمزيته المأساوية يوماً سعيداً لبيروت، قالت فيه كلمتها مع أخواتها من المدن اللبنانية التي جددت العهد بالولاء للبنان والوفاء لرفيق الحريري عبر تجديد البيعة لسعد.

ما كان لافتاً منذ عودة سعد الحريري وعلى مدى أيام إقامته القصيرة، هو غياب ما يمكن أن يُطلق عليهم “فئران السفينة” عن المشهد، هم الذين تركوها بعد أن أمعنوا فيها قضماً قبل أن يغادروها ظناً منهم أنها غارقة لا محالة، إختفوا بقدرة قادر وعادوا إلى جحورهم المظلمة حيث أن لا قدرة لهم على مواجهة النور، والنور هنا هو الحقيقة التي لا لبس فيها، والتي حاولوا تشويهها والتلاعب بها وتزييفها لمصلحتهم، وهي أن سعد الحريري – سواء أيدته أو عارضته – هو الممثل الأول لطائفته وبيئته السياسية، وأنه الوحيد الذي سعى ودفع نحو التغيير المرجو – بحسب طاقته – وبتحرك إيجابي وخطوات ملموسة عندما إستقال إستجابة لرغبة الناس في الشارع، وعندما علَّق عمله السياسي لإفساح المجال لغيره من الشباب التغييريين، بعد أن إقتنع اثر معاناة ومحاولات كثيرة بإستحالة التعاون مع الطبقة السياسية الموجودة – أو بعضها على الأقل – والوصول معها إلى حل ينقذ البلد والناس.

كان يوم 14 شباط هذا العام، يوماً سياسياً وشعبياً مشهوداً يجعل المرء يتساءل عن سر الحريري الأب والابن، الأب رفيق الحريري الذي مضى على إستشهاده ثمانية عشر عاماً ولم يزل في قلوب اللبنانيين، عصياً على الشطب والإلغاء من حياتهم كما من ذاكرتهم وقلوبهم، وسر الابن سعد، هذا الرجل الذي هو في نظر الكثيرين من محبيه وأنصاره “الزعيم المظلوم” والمفترى عليه، بينما يرى فيه خصومه ومبغضوه صورة “الزعيم المهزوم” والضعيف. ويأتيك الجواب من سعد الحريري نفسه، من رزانته وتواضعه وهو بين محبيه وأنصاره، من الحزن الصادق البادي على ملامحه، متأثراً بلا شك بما تعانيه بيروت وأهلها ومعها الوطن على إمتداده من مشكلات وأزمات يومية، مستذكراً والده الشهيد ومشروعه المُحبَط، مكتفياً بالقول: “الله يرحم الرئيس الشهيد ويعين لبنان”. ويأتيك الجواب أيضاً من لهفة الناس للقياه وإحاطتهم إياه بكل الحب، وما ذلك إلا لأنهم يرون فيه الأخ والابن والصديق والرفيق الصادق الأمين الذي يشعر بهم وبمعاناتهم، وليس ذلك الزعيم الذي ينظر إليهم من برجه العالي أو من وراء حجاب، ليكذب عليهم ويبيعهم الوهم أو يمدهم بمعنويات كاذبة هي أشبه ب “مخدر” قد يُريح بعض الشيء لكنه لا يَشفي.

لقد ظهر سعد الحريري السياسي في أيامه البيروتية القليلة، رجلاً أنضجته الظروف وصقلته المِحَن وعلَّمته التجارب، فكان أن بدا أكثر حَذراً وتحفظاً وربما بعداً عن السياسيين، وأكثر قرباً وتواضعاً وتواصلاً مع الناس البسطاء الطيبين، الذين أحبوه ويحبونه من دون غرض سوى الوفاء لوالده الشهيد، والاعتراف له بأنه كان خير وأصدق وأوفى من حمل الأمانة، سواء الشخصية أم الوطنية وتحمَّل الكثير من الأعباء وحتى الأهوال في سبيل الحفاظ عليها، أصاب ونجح في مكان كما أخطأ وفشل في مكان آخر، إلا أنه بقي وفياً وحافظاً لها حاملاً لشعارها بأن يكون الولاء للبنان أولاً، لأنه بذلك فقط يكون قد أدى ونفذ قسم الوفاء لرفيق الحريري.

شارك المقال