فراغان في إضراب واحد: المعيشة والحكومة

فاطمة حوحو
فاطمة حوحو

يبدو أن هم تشكيل الحكومة لم يعد هماً سياسياً فقط، بل أصبح هما شعبياً ومطلباً عمالياً، يتجلى اليوم في الدعوات الواسعة للمشاركة في الإضراب العام الذي دعا اليه الاتحاد العمالي العام في مختلف قطاعاته، وشاركه الاتحاد الوطني لنقابات العمال، مع إعلان “تيار المستقبل” تلبية الدعوة.

الظاهر إننا دخلنا مرحلة جديدة بعناوين نقابية، في التعامل مع الأزمة السياسية التي تتعقد ساعة بعد ساعة، بفعل إصرار العهد القوي على تناسي حاجات الناس ووضع العصي في دواليب تشكيل الحكومة وتطيير المبادرات بحجج مختلفة، هدفها واحد خلق الظروف المناسبة للصهر العزيز حتى يخلف “بي الكل” في قصر بعبدا.

التحرك العمالي يبدأ بالاضراب، ولكن هل ينتهي بالفوضى الخلاقة التي تدفع الأمور إلى التأزم أكثر فأكثر فيفرض حلاً مناسباً وإن تطلب سقوط كبار يعرقلون مسيرة استقرار الوطن وأمن اللبنانيين، لا بل يتاجرون بكراماتهم، عبر تجاهل عمق الأزمات المتلاحقة الناتجة عن الفراغ الحكومي.

وبالطبع لا يملأ هذا الفراغ بالخلافات والأطماع الاستيزاريه ولا بتشويه الدستور، وإنما في العمل من أجل ازالة كل ما من شأنه تخفيف الأعباء المعيشية للمواطنيين وحفظ أمنهم الاقتصادي والاجتماعي بعيدا عن كل الحسابات السياسية.

لا شك أن الحركة العمالية أمام اختبار كبير اليوم فهل يكون للضغط في الشارع من جديد قدرة على التغيير المطلوب؟ بمشاركة أحزاب وقوى محسوبة على السلطة مع أخرى معارضة ساهمت في ثورة 17 تشرين.

الأسمر: مطلبنا تشكيل الحكومة

يرفض رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الاسمر ربط التحرك اليوم بموضوع الساعة السياسي، أي ازمة البيان الصادر عن المكتب الإعلامي لرئاسة الجمهورية والرد عليه من رئاسة مجلس النواب حول مبادرة الرئيس نبيه بري لتشكيل الحكومة.

ويوضح لـــ “لبنان الكبير” أن الاتحاد اتخذ قرار الإضراب منذ أكثر من شهر” ونحن سنستمر في تصعيد تحركنا من أجل تشكيل حكومة، وهذا لا يعني دخولنا في البازار السياسي الدائر، نحن بعيدون عن التجاذبات السياسية ولكن لا بد من وجود حكومة تعمل على إنقاذ الوضع الاقتصادي”.

ويؤكد “شعارنا الوحيد تأليف حكومة ولذلك ندعو الجميع إلى تقديم تنازلات حتى يتم انقاذ لبنان، هذا لا يعني أننا نطرح شعارات سياسية إذا كنا نطالب بإنجاح المبادرات لتشكيل حكومة، سواء مبادرة الرئيس بري أم أي مبادرة أخرى، ودعوتنا هي للتضامن من أجل رفع الضغط حتى تتشكل الحكومة وتزول الهواجس، نحن ندق ناقوس الخطر لأن الوضع لم يعد يحتمل”.

ومع تغير الأوضاع يتجه “تيار المستقبل” إلى محاكاة الشارع، ولا يخفي منسق عام قطاع النقابات في التيار ماجد سعيفان أن التيار كان سابقاً على هامش التحركات العمالية، ولكن اليوم نحن لا بد أن نكون إلى جانب الناس، نتصدر التحركات النقابية ونحمل هموم الناس وقضاياهم ونكون مع الاتحاد العمالي العام في كل الساحات، لا سيما وان التيار يتواجد على رقعة جغرافية واسعة في لبنان”.

سعيفان: تيار المستقبل مع الناس

بدوره، لا يربط سعيفان المشاركة في التحرك العمالي بالتوقيت السياسي، معتبراً أن تيار المستقبل اليوم في المعارضة ومع الناس، وهو سيكون صمام أمان ويعمل تحت سقف الشعارات التي أعلنها الاتحاد العمالي أي العناوين النقابية، وسيتواجد في التجمعات التي دعا إليها الاتحاد”.

ويتوافق رأيه مع الأسمر في التأكيد على “أهمية الإسراع بتشكيل حكومة حيادية لأنه باب انفراج للأزمة”، لكنه يجد في المقابل أن على الاتحاد العمالي أن يغير في هيكليته ويعمل على تركيبة نقابية جديدة، لا تكون من مخلفات ما مضى، ونحن منذ اليوم سنبدأ بمد الجسور من أجل بناء مؤسسات تأخذنا إلى المسار الصحيح في بناء منبر عمالي حقيقي لا يقوده خبراء الاقتصاد ورجال الأعمال وإنما العمال”.

ولا ينفي سعيفان وجود تقارب مع شعارات 17 تشرين خصوصاً بعد اتضاح معاناة المواطنين وامتهان كراماتهم”، ولكن يفضل أن لا يكون أسلوب قطع الطرقات معتمداً في التحركات، والتركيز على تبيان أحقية المطالب ونحن لا نريد أن نستثمر سياسياً في هذه التحركات ولا نريد أن تكون النقابات العمالية مستخدمة لأغراض سياسية، بل نحن من هذا الشعب ولا نرغب في إذلال المواطنيين أو القبول بتضرر مصالحهم”.

عبد الله: لا يجوز حرمان أحد

يرى رئيس الاتحاد الوطني لنقابات العمال كاسترو عبد الله أن “هناك كلمة سر اعطيت للإعلان عن المشاركة بتحرك الاتحاد العمالي”، متمنياً أن يكون الوقوف إلى جانب الناس أمراً غير خاضع للتجارة السياسية، لسنا ضد مشاركة أي حزب أو قوة سياسية ولا يجوز حرمان أي كان ومهما كان انتماؤه من المشاركة، فجماهير هذه القوى هي أيضاً جائعة وتقف في طوابير البنزين والخبز وتدور للبحث عن دواء ولا تقبض تعويضاتها، والمصارف لا تدفع لها والضمان الاجتماعي يحرمها من تقديماته، أجل لا بد لجمهور الجميع أن يعي مصالحه ويكون ثائراً على الأوضاع الراهنة”.

شارك الاتحاد الوطني لنقابات العمال في تحركات ثورة 17 تشرين وما قبلها وبعدها وهو مستمر في النزول إلى الشارع في كل مناسبة، في بيروت والمناطق وينظم اعتصامات شعبية في التجمعات التي دعا اليها الاتحاد العمالي العام، “فالدعوة إلى النزول إلى الشارع مفتوحة” بالنسبة إليه على حد قول عبد الله، الذي يجد أن تحرك اليوم أخذ طابعا سياسياً، بالدعوة إلى تشكيل حكومة.

ويسأل: “لماذا لم يتحرك الاتحاد العمالي العام الذي خرجنا منه في وقت سابق ولماذا يلبي دعوات التحرك غب الطلب، لماذا لم يكن موجوداً في ساحات 17 تشرين، من أجل حماية الناس من حكم كارتيلات الطحين والخبز والدواء ومن معالجة مشكلات العمال مع الضمان ومن الفساد المنتشر في المؤسسات نحن نريد للاتحاد أن يلعب دوره لا أن يكون شاهد زور ويتحرك بناء على بيانات سياسية بين بعبدا وعين التينة، ولا يقف مع أصحاب العمل والمصارف فمشكلتنا مع المصارف في حجز الأموال وعدم دفع مستحقات المضمونين ومشكلتنا في رفع سعر الدولار والخضوع لساسات النقد الدولي التي أوصلتنا إلى ما نحن فيه اليوم من أزمات، فالعمال يدفعون ثمن السياسات الاقتصادية للحكومات المتعاقبة منذ 30 عاماً”.

والواضح أن عبدالله يتجاهل أن لبنان كان محكوماً من قبل النظام السوري الذي أضعف الاتحاد العمالي وفككه وأنبت نقابات تابعة له ورفض تحركاته في الشارع تحت شعار عدم تهديد الأمن القومي، وهو اليوم محكوم من حليفه “حزب السلاح “أيضاً ومن رئيس لا يرى من شعبه إلا صهره، وليس في هذا تبرئة لأحد وإنما وضع النقاط على الحروف.

أخيراً لا بد من التساؤل هل سيستطيع الاتحاد العمالي العام الفوز بثقة اللبنانيين وهل يعود “الدينامو” في تحريك القضايا المطلبية والدفاع عنها من جديد، وهل يملك القدرة على أن يكون مستقلاً ويمارس الديمقراطية في هيئاته، فلننتظر ونرَ.

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً