هل لبنان في عين العاصفة إذا تعرّضت ايران لهجوم عسكري؟

كاتب

ليس واضحاً اذا كان ما نسمعه من تهديدات اسرائيلية لايران على خلفية اقترابها من صنع قنبلة نووية، هو قرع لطبول الحرب أو مجرد تهديدات وفق معادلة "العصا والجزرة" التي اعتدنا عليها منذ 13 عاماً وحتى اليوم. لكن لا يختلف اثنان على أن لبنان سيكون في عين العاصفة إذا أقدمت اسرائيل على ضرب المنشآت النووية الايرانية، بسبب إمساك إيران بالورقة اللبنانية، وتكليف "حزب الله" باستخدام لبنان كدرع واقية، وبالتالي اطلاق صواريخ إلى اسرائيل من لبنان وغزة وربما سوريا!
قبل الدخول في الجانب اللبناني من الموضوع، لا بد من الاضاءة على مدى جدية التهديدات الاسرائيلية وأبرز المعطيات المتوافرة:
- المعطى الأول يؤكد أن إيران قد تكون وصلت إلى 87٪ من تخصيب اليورانيوم حالياً، وبات بإمكانها إنتاج ما يكفي من المواد النووية لصنع قنبلة في 12 يوماً إذا أرادت ذلك.
- المعطى الثاني ينطلق من التعاون الدفاعي العسكري الاستراتيجي بين ايران وروسيا، التي هناك إمكان أن تقدّم إلى ايران أنظمة دفاع جوي جديدة متطورة هي أنظمة إس-400 يعتقد المسؤولون الاسرائيليون أنها ستضيّق نافذة توجيه ضربة محتملة الى برنامج طهران النووي، إذ يمكن لهذه الصواريخ أن تضرب أهدافاً جوية على مدى يصل إلى 250 كيلومتراً، مما يخلق منطقة حمراء للطائرات الاسرائيلية على ارتفاعات عالية. ولعل هذه الاعتبارات قد تُسرّع في اتخاذ قرار بشأن الهجوم. وقد يتوسّع الدعم الروسي لايران كي يشمل تزويدها بطائرات مقاتلة من طراز Su-35 بحلول منتصف آذار.
ولا شك في أن هناك مؤشرات تؤكّد جديّة التهديدات الاسرائيلية لايران، أهمها:
- أولاً، حصول مناورات عسكرية أميركية - إسرائيلية في الآونة الأخيرة حاكت عملاً عسكرياً ضد إيران، وحملت أولى الرسائل العسكرية المباشرة اليها عن أن الخيار العسكري هو المصير المحتوم لطهران في حال قطع الأمل نهائياً من الديبلوماسية في ما يتصل بملفها النووي، وبأن الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة هو الدواء الناجع والملاذ الأخير في حال العودة الى العقوبات الصارمة.
- ثانياً، الغارات الاسرائيلية الأخيرة على مصانع أصفهان لانتاج الصواريخ والمسيّرات الايرانية التي تُباع الى روسيا لاستخدامها في حربها ضد أوكرانيا، وعلى قافلة صواريخ للحرس الثوري الإيراني في البوكمال، ترسم أكثر من استنتاج، من خلال الأسلوب غير المسبوق بقصف مصانع ومخازن مسيّرات وصواريخ داخل إيران.
- ثالثاً، تكثّفت اجتماعات رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال الأسابيع الأخيرة مع أبرز القادة العسكريين الاسرائيليين، وكانت هناك نقاشات سريّة بشأن مواجهة إيران، اتخذت خلالها قرارات برفع استعدادات اسرائيل بصورة كبيرة وعلى كل المستويات لتنفيذ هجومٍ على المنشآت النووية فيها.
- رابعاً، تسريبات اعلامية تؤكّد أن الضربة العسكرية الاسرائيلية قد تحصل بدعم من الولايات المتحدة الأميركية وستشمل مواقع التخصيب ومواقع عسكرية استراتيجية تحت الأرض في إيران، وتستخدم فيها طائرات حربية أو وسائل أخرى أرضية أو من خلال البحر. أما الدعم الأميركي فيسكون من خلال طائرات التزود بالوقود، الأميركية الصنع الجديدة، التي سترفع من قدرات تل أبيب على شن ضربات بعيدة المدى بصورة كبيرة، وهذا ما يتوجّس منه الايرانيون.
وهنا لا بد من طرح تساؤلات منطقيّة عن مستوى الرد الايراني على اسرائيل في حال حصول الضربة العسكرية الاسرائيلية للمواقع النووية الايرانية، وهناك مروحة من الخيارات وتشمل النقاط التالية:
- الخيار الأول، أفاد المسؤولون العسكريون الايرانيون مرات عديدة بأنهم إذا ضربوا في العمق الايراني، فسيردون في العمق الاسرائيلي عبر صواريخ باليستية وايران تمتلك مئات الوحدات من صواريخ "شهاب" بعيدة المدى والتي قد تغطي مساحة إسرائيل كاملة، كما أن لديها إمكان تزويد هذه الصواريخ برؤوس كيمياوية وبيولوجية تحدث دماراً كبيراً في إسرائيل، الا أن الأخيرة تمتلك منظومة متطورة من الصواريخ المضادة التي يمكنها أن تعادل أكثرية الصواريخ الايرانية المنطلقة نحوها وتبطل عملها وهي في الجو وقبل أن تصل إلى الهدف، كما أن الولايات المتحدة لن تسمح بإنطلاق هذه الصواريخ من قواعدها في ايران، بل ستدمرها في مهدها لحماية اسرائيل.
- الخيار الثاني، قد تعمد إيران إلى إغلاق مضيق هرمز من أجل منع تدفق النفط الخليجي وهذا ما سيشكل ضغوطاً كبيرة على أسواق النفط العالمية ويرفع الأسعار الى أرقام قياسية. لكن إغلاق مضيق هرمز قد لا يدوم لفترة طويلة وذلك بعد أن يتدخل الأسطول البحري العسكري الأميركي وبموافقة دولية لفتح هذا المضيق وإتاحة الفرصة مرة أخرى للسفن التجارية وناقلات النفط لإستئناف رحلاتها.
- الخيار الثالث، ستعطي إيران الضوء الأخضر لميليشياتها في المنطقة بغية مهاجمة المصالح الاسرائيلية والأميركية أينما وجدت، وسيرتفع منسوب العمليات العسكرية التي تستهدف القوات الأميركية المتمركزة في العراق، وليس مستبعداً أن يتحرّك "حزب الله" وحركتا "حماس" و"الجهاد الاسلامي" لمواجهة اسرائيل على خطوط التماس وربما إمطارها بالصواريخ الاستراتيجية.
يبدو أن الخيار الثالث سيكون الأخطر على لبنان، لأنه إذا تدخل "حزب الله" في أي معركة، فستنفّذ اسرائيل تهديداتها بضرب منشآت الدولة اللبنانية التي يتهمها الاسرائيليون بأنها تحتضن "الحزب"، وهنا سيكون لبنان بكامله في عين العاصفة، إذ تبدو البنية التحتية اللبنانية مهترئة أصلاً، والأوضاع الاقتصادية والمالية كارثيّة وما ستضربه اسرائيل سيزيد من انهيار لبنان أضعافاً، بل ستكون تداعياته أشبه بزلزال بقوة 7 درجات على مقياس ريختر، ولن يكون لـ"الحزب" وبيئته أي دعم في ظل الانقسام اللبناني العمودي، بل سيصبح مكشوفاً عسكرياً وأمنياً وشعبياً.
لذلك، استخدام ايران ورقة ميليشياتها ليست واردة كثيراً بل ستكون خاسرة إذا دخلت في المواجهة على نحو مباشر، ويجب أن لا ننسى بأن هناك اتفاقاً بحرياً حدودياً حصل بين لبنان برضى "حزب الله" من جهة واسرائيل من جهة أخرى، وكل التوقعات تشير إلى أن هذا الاتفاق سيبقى محترماً وليس لمصلحة "الحزب" السير عكس ذلك.
أقصى ما يمكن أن يفعله "الحزب" وايران هو استخدام خلاياهما الأمنية لاستهداف مسؤولين إسرائيليين في سفاراتهم في دول خارجية، أو حتى مهاجمة سيّاح إسرائيليين، وقد ينشطان من خلال أجهزتهما العسكرية الاستخباراتية في عدد من الدول، ولا سيما في أميركا الجنوبية، بالإضافة إلى دول أوروبية لاستهداف مواقع تابعة لتل أبيب وواشنطن في الخارج.
مهما كان الرد الايراني ومضاعفاته، فان اسرائيل والولايات المتحدة يمكنهما استيعابه ومعالجته شرط أن تتمكنا من وضع حد لطموح ايران النووي.