أهمية لبنان في خطورته لا موارده..من يحكم الهلال ومن يحرسه؟

أنطوني جعجع

هل يصدُق المحللون الذين يستبعدون اي موقع متقدم للبنان على لائحة الأولويات الخارجية الأميركية؟.

قد يكون في هذه القراءة الكثير من الصحة، اذا تعلق الأمر بأهمية لبنان من حيث حجم الموارد التي يحتاج إليها صانعو القرارات في العالم، او الممرات التي يعبرون منها، لكنها تتغير عندما يتعلق الأمر بحجم خطورته ومداها.

فلبنان اليوم هو غير لبنان الأمس الذي كانت تديره سوريا وتضبط إيقاعه، وغير لبنان ما قبل الأمس عندما كان محرقة تحرق أعداء الشرق والغرب معا. انه لبنان “حزب الله” الذي يمسك بقراراته الاستراتيجية والأمنية والعسكرية والسياسية وحتى المالية، وينقله من ذريعة المواجهة مع إسرائيل إلى حقيقة الذوبان في الحلقة الإيرانية الممتدة من طهران إلى المتوسط.. انه لبنان الذي ذهب برجليه هذه المرة إلى حروب الآخرين، منهيا بذلك تلك الساحة التي كانت تجذب إليها حروب الآخرين من كل حدب وصوب ، وكذلك دور الضحية التي تدفع أثمان الصراعات الدموية والعنفية المتنوعة في الداخل والخارج، ليلعب في المقابل دور الجاني المستنفر سواء علناً، كما في سوريا، او سراً، كما في الخليج وأجزاء من أوروبا والقارتين الأميركية والأفريقية.

ويخطئ من يظن أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن يمكن أن تفصل بين إيران و”حزب الله” في اي مفاوضات مباشرة او غير مباشرة قد تجريها مع الجمهورية الإسلامية، في وقت يعرف الاستراتيجيون العسكريون سواء في واشنطن او تل أبيب او موسكو او معظم العواصم العربية والاجنبية، أن “حزب الله” يشكل بالنسبة إلى أئمة طهران السلاح الأمضى الذي يمكن أن يكون بديلا لقنبلة نووية يعجزون عن إنتاجها حتى الآن أو لا يتجرأون على استخدامها في أسوأ الأحوال، يساعدهم في ذلك تلك الكفاءة العالية التي اظهرتها المقاومة الإسلامية في الحرب مع إسرائيل، وتلك التي تبديها في الهلال الفارسي المنشود، فضلا عن معسكرات التدريب التي تقيمها في لبنان للمعارضين الشيعة، سواء كانوا عربا او آسيويين، والخلايا الأمنية التي تنشرها خارج الشرق اوسط والتي أدت إلى طرد رجاله واقفال مكاتبه في اكثر من خمسين دولة أجنبية.

ولا يغفل هؤلاء الاستراتيجيون تلك الروابط المتقطعة التي تتحرك غب الطلب بين “حزب الله” وجماعات سنية أصولية، يقيم معظمها في عدد من المخيمات الفلسطينية في لبنان، أبرزها “عصبة الانصار” وحركة “حماس”، فضلا عن تقارير تحدثت عن علاقات تنسيقية أقيمت على فترات متقطعة بين “حزب الله” وإيران من جهة وتنظيم “القاعدة” من جهة ثانية، وهي علاقات تستهدف الضغط على الوجود العسكري الأميركي في المنطقة وتحديدا في الجارين العراقي والسوري، وضرب مشروع الشرق الأوسط الكبير، وترهيب الأنظمة العربية التي تدور في الفلك الاميركي.

ويذهب بعضهم بعيدا إلى حد تذكير الأميركيين، بأن أسوأ مذبحة تعرض لها الجيش الأميركي في زمن السلم كانت في بيروت في العام ١٩٨٣ من خلال عملية تفجير اودت بمتئتين واربعين جنديا، ملمحين إلى ان “حزب الله” ليس بريئا منها .

من هنا، لا نبالغ اذا قلنا ان الأميركيين والغرب يخطئون اذا ذهبوا إلى اي مفاوضات مع إيران لا تتضمن ملف لبنان في الدرجة الاولى، ويخطئون أكثر اذا اعتقدوا أن قوة إيران تكمن في ترسانتها النووية الصاروخية فقط وليس في دهاليز “حزب الله” أيضا.

والواقع، وفق الكثير من المحللين، العرب والأجانب، أن حسن نصرالله، وليس خامنئي، هو من يقود، وإلى حد كبير، مسار الأحداث الأمنية في اربع دول عربية وإقليمية إضافة إلى غزة، وأن الحرية المطلقة التي يحظى بها في لبنان هي التي تسمح له بنجدة النظام السوري عسكريا وتموينه وتمويله من جيوب اللبنانيين وخزائن الدولة، وهي التي تسمح له بتسليح “حماس” في فلسطين، وتدريب الحوثيين في اليمن، والشيعة في البحرين، والحشد الشعبي في العراق، والاقليات الشيعية في افغانستان وباكستان، وهي التي تسمح له بتزويد إيران بما تحتاج إليه من مواد أولية وحياتية وعملات صعبة تساعدها على مواجهة الحصار الأميركي وتهدئة الشارع الإيراني المتململ .

وليس من قبيل المصادفة أن تستدعي موسكو أركان “حزب الله” إلى وزارة الخارجية الروسية لتبلغ من يعنيهم الأمر في طهران والضاحية الجنوبية، بأن الحاجة إليه في سوريا لحماية بشار الأسد تحت ستار الحرب على “داعش” والتكفيريين قد انتهت، وأن عليه العودة إلى قواعده في بيروت، وهو أمر شكل الإشارة الدولية الأولى إلى مدى الخطورة التي تشكلها المقاومة الإسلامية ومعها الحرس الثوري الايراني على أمن المنطقة عموما وأمن إسرائيل خصوصا، وبالتالي على خرائط الطريق التي ترسمها الدول الكبرى وتلك المعنية كليا او جزئيا بمسار الازمة ، في إطار البحث اما عن تسويات او صفقات او ثروات واما عن تقسيمات وحتى فتوحات.

ويختم هؤلاء بأن نصرالله بات الورقة الأغلى في المنظومة الإيرانية بعد اغتيال قاسم سليماني، والبندقية الأخطر في الهواجس العربية والغربية، وأن أميركا وإسرائيل ستصلان حتما إلى معادلة جديدة تقوم على شعار: اذا اردت ان تلجم إيران لا بد من لجم نصرالله، واذا اردت ان تغري إلعرب لا بد من ضرب “حزب الله “.

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً