“مألوف” بعبدا

محمد نمر
محمد نمر

أعان الله اللبنانيين على رئيس جمهوريتهم ومستشاريه، خصوصاً كتبة البيانات منهم. ففي آخر بيان رد فيه القصر على رئاسة مجلس النواب، رفضت بعبدا التوقف “عند الأسلوب غير المألوف لدى دولته (الرئيس بري) في التخاطب السياسي شكلاً ومضموناً”.

نعم من أجدر من كتبة بعبدا لوضع بروتوكول لـ”التخاطب”؟ أليس لدينا سجل حافل بالعبارات العميقة التي تعبّر عن رقي “الخطاب” لدى رئيس الجمهورية ومدرسته العونية القائمة على مخاطبة الآخرين باحترام وفق معايير عالية جداً؟ وكيف ننسى طلة فخامة الرئيس اللائق على اللبنانيين بفيديو “مصوّر عمداً” وبجانبه رئيس حكومة مستقيلة، ليصف الرئيس المكلّف بـ”الكاذب”؟ أليس هذا هو “المألوف” بعينه وفقاً للبرتوكول البرتقالي؟

“الخطاب المألوف” لدى رئيس الجمهورية يسمح له بأن يطلّ على اللبنانيين ليعلمهم بانهم على طريق “جهنم” سائرون.

هي معايير عونية خطابية عالية، مضمونة الجودة، وعيناتها لا تعد ولا تحصى. فـ”الخطاب العوني المألوف” كاد أن يتسبب بمجزرة في قبرشمون، فقط لأن الوزير السابق جبران باسيل أراد من خطابه في الشحار أن يستعيد عظام المسيحيين، ملبياً رغبة وزيره السابق غسان عطالله الذي استخدم الخطاب نفسه عندما أعلن أن المسيحيين لا ينامون في الجبل لأن هناك دروزاً.

“خطاب عوني مألوف” يعجز أرسطو والاغريقيون وخطباء الرومان عن صياغته. أفكار متفوقة أقل ما يقال أنها يجب أن تُدرّس في أرقى معاهد العلوم السياسية. وفي كل مرة يعتلي فخامته المنبر مخاطباً شعبه: “يا شعب لبنان العظيم” تشعر وكان أبراهام لنكولن يخاطب العمال، وإذا صدر البيان عن بعبدا، يخيّل لك أنه موقّع من المهاتما غاندي.

خطاب من بعبدا يتمنى من النواب ألا يكلّفوا الرئيس الحريري. وتأجيل للاستشارات هرباً من هذا التكليف البغيض على قلبه. ولقاءات عنونها فخامته بـ”لا أريد الحريري”… كل هذا منصوص عليه في بروتوكول “الخطاب المألوف” العوني.

حتى مهمات القصر صارت مألوفة جداً. كإرسال درّاج من قوى الأمن إلى الرئيس المكلف، حاملاً معه البريد وفيه تشكيلتان وزاريتان، طالباً منه أن يملأ الفراغ بـ”الاسم المناسب”.

والمألوف أيضاً ألا يجتمع مجلس الدفاع الأعلى بأمر من رئيس الجمهورية لإنقاذ بيروت من الانفجار المدمر.

المألوف أيضاً أن يعد رئيس الجمهورية اللبنانيين خلال خطاب القسم باستراتيجية دفاعية ثم يعود ويتنكر للأمر بحجة الأطماع الإسرائيلية.

المألوف أيضاً أن يزور الرئيس المسيحي الوحيد في المنطقة المملكة العربية السعودية وأول وصوله على لبنان يعلن أن الجيش غير قادر على المواجهة.

المألوف أيضاً وجداً أن ينقل فخامة الرئيس صلاحياته إلى نائب فاسد وفق التصنيف الأميركي. وأن يكون شاهداً على اجتماع في قصره يجمع الثنائي الشيعي وصهره للبحث في تشكيل الحكومة.

كل شيء في بعبدا مألوف جداً، حتى وجود فرع ثالث للقصر بعد المقر الصيفي في البيّاضة.

المألوف العوني في بعبدا أن يعطل فخامته تشكيل الحكومة شهوراً لإرضاء الصهر، وأن يعطّل فخامته مجلس الوزراء شهوراً جراء خطاب صهره الطائفي وحادثة قبرشمون.

قمة “المألوف العوني” تتجلى في غادة عون وتصرفاتها التي ضربت صورة القضاء، وفي تعطيل التشكيلات القضائية وتعيينات مجلس الخدمة المدنية، والانتخابات الفرعية.

ووفق بروتوكول “المألوف العوني” يمكن لرئيس الجمهورية التعدي على صلاحيات رئيس الحكومة…

عيّنة من “الخطاب المألوف” في المدرسة العونية.

لكن ما هو “غير مألوف” أن يبقى ميشال عون في سدة الرئاسة. وما هو “غير مألوف” ألا تتم محاسبته على تجاوزاته للدستور.

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً