أنقذوا المحكمة الدولية

عالية منصور

قبل انطلاق الثورة السورية كنت أنظر إلى المحكمة الدولية الخاصة بلبنان على أنها حلم يتحقق، ليس فقط عدالة للشهيد رفيق الحريري ولكل ضحايا ذلك اليوم المشؤوم، بل كنت أرى في الأمر عدالة لكل ضحايا النظام السوري في لبنان كما في سوريا. كنت أرى فيها فرصة لنقول إن العدالة هي سبيلنا للخلاص من عصابات تحكمنا وتقتلنا ولا أحد أوقفها على مر السنين.

مؤخراً أعلنت المحكمة الدولية الخاصة بلبنان أنها تواجه “أزمة مالية” قد تضطرها إلى إيقاف أعمالها، وحذرت أنه “من دون تمويل فوري لن تتمكن المحكمة من مواصلة عملها بعد تموز/يوليو 2021، الأمر الذي سيؤثر في قدرتها على إنهاء الإجراءات القضائية الموكلة إليها”.

فلبنان يعاني من أزمة مالية واقتصادية صنفها البنك الدولي “ضمن أشد عشر أزمات وربما إحدى أشد ثلاث أزمات على مستوى العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر”، في وقت ينص نظام المحكمة على أن يساهم لبنان في تمويل المحكمة الخاصة بنسبة 49 في المئة. وتدفع دول مانحة ما تبقى من المبلغ.

الملفت بالنسبة لي كان ردود الفعل على ما أعلنته المحكمة. كتاب وصحافيون وناشطون سياسيون، اعتبروا أن المحكمة أمر يعني عائلة رفيق الحريري، وأن ما ساهم به لبنان يكفي وإذا ما أرادت العائلة العدالة فلتدفع هي. ذهلت وأنا أقرأ وأتابع ردود الفعل هذه، وكأن رفيق الحريري قتل لأسباب عائلية كما حاول أن يشيع نظام الأسد المساهم بالجريمة يومها، وكأن 21 شخصاً لم يقضوا يومها بجريمة هزت العالم ولا 226 مواطناً أصيبوا بجروح. وكأن المجتمع الدولي لم يُجمع على إدانة الجريمة ووصفها بالجريمة الإرهابية، ولا كأن مجلس الأمن صوت بالإجماع على إنشاء هذه المحكمة، وكأن شهداء على مذبح العدالة لم يسقطوا في لبنان في محاولة من القاتل لعرقلة إنشاء هذه المحكمة وسير أعمالها.

مؤسف ومخيب للآمال أن خلافات سياسية آنية بين اللبنانيين، جعلت حتى من اعتبر نفسه يوماً سيادياً ينظر إلى مسألة العدالة بعد كل ما دفعه اللبنانيون لأجلها بعد عقود من الاغتيالات، وهنا لا أتحدث فقط عن اغتيال الحريري، بات يرى نفسه غير معني بل وشامت إن توقفت المحكمة عن أداء واجبها.

مؤسف أن يرى البعض أن مسؤولية ورثة رفيق الحريري هي إلقاء القبض على المتهم بعملية الاغتيال سليم عياش. وكأن مسألة الاغتيال والقتل والعدالة تخضع لاعتبارات آنية ولتحالفات سياسية، فيغيب عن بال هؤلاء أن هذه مسؤولية الدولة اللبنانية وأجهزتها، وأن مطالبة سعد الحريري أو غيره من ورثة الرئيس رفيق الحريري بجلب المتهم أساساً يتناقض مع فكرة الدولة والمؤسسات والعدالة، بل هي أساساً في صلب فكر الميليشيات كميليشيا “حزب الله” التي لا تعترف بالدولة وأجهزتها.

كسورية عاشت لبنان مرحلة رفيق الحريري وشهدت زلزال اغتياله وما لحقه من اغتيالات، وعايشت انتفاضة 14 آذار، أشعر اليوم بأسى مضاعف، فحلم ذلك اليوم الربيعي في بيروت يبدو أكثر وأكثر أنه لم يكن سوى مجرد حلم، وغصة أنه وبعد مئات الآلاف من الضحايا في سوريا الذين سقطوا على يد النظام السوري و”حزب الله” ما زال الفيتو الروسي والصيني يقف عائقاً أمام محاكمتهم على جرائمهم، لا بل صار الروسي شريكاً في دمنا.

إنقاذ المحكمة الدولية واجب على الجميع، لأجل مئات الآلاف من الضحايا، ولأجل أجيال تؤمن بالعدالة لا بالثأر وبالقانون سبيلاً للوصول إلى العدالة لا شريعة الغاب.

 

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً