قسمة الخراب

الراجح
الراجح

إن النظام الاجتماعي اللبناني لم يُكسَر من الداخل بل من مجموعة من التدخلات الخارجية، خصوصاً في الأربعين سنة الأخيرة. وبالرغم من ذلك بقيت هناك سيادة لنوع من الاستمرار والاتصال بقي معه هذا المجتمع وطنياً وبقي لبنانياً. بقي كذلك بمقوماته كلها وعلى رأسها موقع رئاسة الجمهورية الذي ضعُفَت سلطته أحياناً وقويت أحياناً أخرى. لكن لم يحدث قبل هذا العهد أن جاء رئيس لا يرتبط بتراث البلد الذي يحكمه أو حتى بتقاليده، حيث لا يمثل حكمه إلا مغامرته الشخصية وهو يعلم سلفاً انه غير قابل للاستمرار.

إننا امام ترسيخ ثقافة قائمة على لونين لا ثالث لهما الأبيض والأسود وليس هناك ظلال. إذا لم تكن معي فأنت خائن. وإذا لم تكن من نفس عقيدتي فأنت كافر. نفس الفكر الذي صنع محاكم التفتيش في إسبانيا. وهذا العقل يجهل أن لكل بلد خصائصه ولكل بلد ظروفه ولا يعرف أن تجارب الشعوب غير قابلة للنقل أو التقليد، لكنها بالتأكيد قابلة للدرس والاستيعاب. لم يسجل التاريخ لرجل واحد كان على القمة، وكان تحته تنظيم سياسي من صنعه، وكان وراء هذا الرجل جيش أو حتى “معه” أن بقي شيء من هذا من بعده. إذ نرى أن التنظيم السياسي الذي صنعه الرجل الواحد ذاب ولم ينجح أحد من “رجاله” في صنع مثال آخر متكرر له. والجيش لا يستمر كما كان ونرى كيف يتغير موقعه. ومع كل هذا نرى استمراراً لنهج المحاصصة واقتسام النفوذ ما يأخذني الى إحدى روايات الأديب موسى عباس القصيرة وعنوانها “قسمة الخراب”:

“بجهود خيّرَة اتفق “أميرنا وأميرهم” على وقف مؤقت ومشروط لإطلاق النار. الشرط الأساس اقتسام كل شيء. جُمِعَت الأشلاء تحت شجرة لوز عتيقة تشقق ساقها، وحفرت فيه الأيام أخاديد عميقة. هذا الرأس لكم وذاك لنا وهذه الأصابع العشرة لكم ومثلها لنا، والأقدام والأضلاع أيضاً، وهذا الشارع المدمّر لكم، والذي يليه لنا، والأشجار المحترقة – تلك الأجمة – لنا ولكم التي خلفها، بدأ الرصاص يثقب جلد الغيمة العابرة، احتفالاً بقسمة الخراب. حمل كل منهما سهمه، وركز في الأرض مناراً يشير إلى حدوده ويحذّر من الاقتراب منها، وكتب لوحة بكل اللغات هذه حدود مملكتنا، مواطنوها الموتى والعابرون…”.

وهذا ما يريده العهد القوي، تحويلنا الى موتى وعابرين… خسئتم لن يحصل ما تريدون.

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً