عمائم مضيئة : فحص والأمينان

أحمد عدنان
أحمد عدنان

في المعركة ضد إيران في سبيل العروبة والاعتدال والدولة، انتفضت أسماء دينية تحررت من الطائفية لتذكر وتنذر، ومن تلك الأسماء السادة علي الأمين ومحمد حسن الأمين وهاني فحص.

والحديث عن هذه القامات تأكيد بأن الخلاف مع إيران وميليشياتها هو خلاف أخلاقي ووطني وسياسي، لكنه أبدأ لن يكون خلافا طائفيا كما تريد إيران.

كلما حضر ذكر السيد العلامة هاني فحص، حضر الإسلام متعالياً عن المذهبية، وحضرت العروبة مترفعة عن التصنيف.

مشهد جنازته اعلن عن مهرجان وطني بالمعنى العريض، أعيان المسيحيين والسنة والدروز – قبل وجهاء الشيعة – مشوا خلف النعش الحزين، ووجوه فلسطين تهافتت لتودع الجسد المغادر، لم يقل أحد هذا شيعي أو لبناني، لأن قيمة السيد الإنسانية والوطنية فوق التمييز.

كان حلفاء إيران يسفهون خصومهم داخل الطائفة في لبنان وغيرها، لكن السيد هاني فوق افتراءاتهم، فالرجل الذي قدم زهرة شبابه للقضية أقرب لفلسطين وأصدق، كما أن تهمة الطائفية أو التبعية مستبعدة أمام رجل أفنى عمره كله لترسيخ الحوار المذهبي ثم الحوار الإسلامي ـ المسيحي، إضافة إلى مكافحة الطائفية.

من أجل ذلك، ودع القريب والبعيد هاني فحص بالدموع، فرحيله في زمن الاشتعال الطائفي وعصر السعار المتطرف خسارة فادحة يصعب تعويضها. وسيتذكر أحرار سوريا موقف فحص إزاء مصابهم بامتنان.

للسيد هاني مؤلفات قيمة، منها “ماض لا يمضي” و”أوراق من دفتر الولد العاملي” و”الحوار في فضاء التوحيد والوحدة”. ومن أقواله الجميلة: “الآخر ليس عابراً في وعيي وتكويني. الآخر المختلف ساكن ومقيم في عقلي وقلبي، ولو ترك الناس بلا ساسة وفقهاء لصنعوا عيشهم المشترك بهدوء، وعبدوا الله بروحانية أكبر”.

تلك هي جنازة السيد هاني فحص، فكيف تكون جنازة خصومه؟.

في فتوى شجاعة ومحترمة قال العلامة السيد محمد حسن الأمين – رحمه الله واسكنه فسيح جناته: “إني باسم الدين أحرم تحريماً جازماً التمسك بالبنية الطائفية وأعتبر كل الذين يتمسكون بهذه البنية هم إما دجالون ومنافقون ولا علاقة لهم بالدين، أو أغبياء متخلفون لا يفهمون معنى الحضارة والتقدم وبناء الأوطان”. هذه الفتوى لوحدها كافية لشرح سبب انزعاج إيران من طرح العلامة الذي يتصور أن تشابه الظروف الاقتصادية والسياسية والاجتماعية للمسلمين قد يعالج المشكلة الطائفية إذا دفعت المسلمين للبحث عن المصالح المشتركة، فالاختلافات بين المسلمين، من وجهة نظره، في أمور الدنيا أكثر من أمور الدين.

وقال الشيخ الأمين ان نظام البعث في سوريا هو أسوأ نظام في العالم، وتعجب كيف يصمت العالم وهو يرى طاغية يقتل ويشرد أكثر من نصف شعبه. ويدين الأمين كل صورة من صور دعم ونصرة نظام البعث وطاغيته.

وفي مقابلة اجريتها معه قبل 3 سنوات على شاشة روتانا خليجية، أدلى بالمواقف التالية:

– الوسطية التي ميز الله الأمة بها في القرآن تعني الاعتدال ومساواة الآخر بالنفس. الوسطية لا تعني اللا موقف، بل هي فضيلة بين رذيلتين.

– رفضي لولاية الفقيه، مستمد من رفضي للدولة الدينية التي تغطي استبدادها بالدين.

– ولاية الفقيه لم تقدم شيئا للشعب الإيراني، وبإمكان نظام مدني ان يقدم الاكثر والأفضل لإيران.

– حمل “حزب الله” للسلاح يناهض وجود الدولة.

– الشيعة مواطنون في الأساس، ويجب ان يتصرفوا في كل بلد يعيشون فيه بهذا الوصف.

– لدينا دول تكرس الاستبداد، ولا تأخذ بأسباب الديمقراطية، ولا تعرف معنى العقد الاجتماعي.

– الفن من أجمل تجليات الروح الإنسانية في هذه الارض، لذلك لا يمكن ان يكون الإسلام ضد الفن ما لم يكن هابطا.

– الإسلام عقيدة وليس أيديولوجيا، والأيديولوجيا كما هي ضارة في المذاهب الفكرية البشرية، ضارة في الفكر الديني أيضا.

– لم أتصور انه يمكن الاستهتار في لبنان بقتل رجل مثل المفتي حسن خالد. كلهم يعرفون من قتله وكلهم يصمتون.

– الاحتكار هو أخطر ما يهدد القضية الفلسطينية، سواء أريد أن يحتكرها الايرانيون او بشار الأسد.

– الشعب السوري قام بثورة حقيقية، ووسيلة النظام لقهر الثورة كانت إشعال الاقتتال الداخلي.

إن نموذج محمد حسن الأمين فيه قدوة الشجاعة وقيمة الصفاء، وإن كان قد غادرنا جسدا، فأفكاره الحية لا تموت.

لعل رحيل هاني فحص ومحمد حسن الأمين خسارة كبيرة للسيد علي الأمين، حفظه الله ورعاه، قبل سواه،

العلاّمة اللبناني عضو مجلس الحكماء المسلمين، شخصية نادرة تستحق الاهتمام والتقدير، فمنذ ثمانينات القرن العشرين، وقف العلاّمة الأمين ضد قيام “حزب اللـه” باختطاف الرهائن الأجانب واستهداف المدنيين وتأجيج الاقتتال الأهلي وممارسته.

في كتابه المهم “السُنة والشيعة أمة واحدة .. إسلام واحد واجتهادات متعددة” قال العلامة: “الحالة المذهبية ليست لازمة للإنسان، فالمهم أن يكون مسلماً فقط، لأن المذهبية طارئة على الوضع الإسلامي، فعلي لم يكن جعفرياً وأبو بكر لم يكن مالكياً”. وعبر هذا الكتاب وغيره شكل الأمين علامة متقدمة في مسيرة الاعتدال والتسامح والتقريب بين المذاهب وإطفاء البراكين الطائفية، وهذا ليس مستغرباً على من طالب بتأسيس معهد ديني يدرس فيه الخوري بجوار الشيخ، كما دعا إلى اعتماد كتاب ديني واحد في لبنان لمسلميه ومسيحييه لأن الولاء للدين ليس على حساب الولاء للوطن.

وصاحب نظرية ولاية الدولة المضادة لنظرية ولاية الفقيه لديه كتاب آخر تحت عنوان “زبدة التفكير في رفض السب والتكفير” سار فيه على درب المجتهدين والمراجع في تنقية الإسلام من الغلو والإرهاب وتعطيل الفكر والعقل. يقول العلامة: “ليست الفرقة الناجية هي التي تحتكر النجاة لنفسها ولأتباعها، بل هي التي تسعى إلى نجاة الأمة بأسرها”.

في هذا الزمن الطائفي والمتطرف يبدو صوت الأمين خافتاً، لكن همسة الحق أشد فتكاً ودوياً من رصاص الباطل وصخبه، وحرب الميليشيات الإيرانية الإرهابية ضده دليل على ذلك، من الانقلاب عليه كمفت لصور وليس انتهاء بالقضية الكيدية الطريفة التي استهدفوه بها.

من يعلن الحرب ضد فحص والأمينين لا يمكن ان يدعي حماية الشيعة وحراسة حقوقهم.

ومن يعلن هذه الحرب لا يستغرب منه قتل المفكر الفذ لقمان سليم.

هذه النماذج التنويرية يجب أن نتمسك بها، وأن نستفيد من مؤلفاتها القيمة وآرائها السديدة في الإعلام والتعليم، فالمسألة ليست حربا طائفية إنما مشروع حضاري في انكساره سيادة الظلام والدم والفوضى والدمار والكراهية أو ما يسمى بالمشروع الإيراني

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً