هيّا إلى المنزلق الخطير!

رامي الريّس

ليست المرّة الأولى التي يُطلق فيها قائد الجيش تحذيراته حيال الوضع المتدهور للمؤسسة العسكريّة وهو انعكاس للوضع المتردي في سائر المؤسسات الأمنيّة والرسميّة ومختلف مفاصل المجتمع اللبناني وهي تنذر بعواقب خطيرة ليس أقلها التفلت الأمني المتنقل وانتشار القلاقل والفوضى ما سيدفع بعض الفئات والمواطنين إلى إمتشاق السلاح الفردي الذي سرعان ما ستظهر مفاعيله على الأرض وتدب الفوضى من جديد بما هو أخطر من الحرب الأهليّة.

فحتى في الحروب الأهليّة، ثمة خطوط حمر تُرسم وتُحترم، بشكل أو بآخر، من القوى المتصارعة. وفي أحلك الظروف تبقى ثمة قنوات خلفيّة تتيح تبادل بعض الخدمات الانسانيّة أو الصحيّة أو الاجتماعيّة. كما ينمو على ضفاف الحرب ما يُسمّى اقتصاد الحرب الذي يتمثل في تدفق الأموال للأطراف المتقاتلة لتغذية نزاعاتها الدمويّة ودفعها نحو المزيد من الانغماس في الحرب.

ولكن، مع كل سوداويّة الحروب وضراوتها وبشاعتها، ثمة مجالات “لتنظيمها”، وليس المقصود بطبيعة الحال الترويج للحروب، بل التوصيف الدقيق لبعض مجرياتها الخلفيّة التي لا تظهر بالضرورة للعيان. ولم تشكل الحرب اللبنانيّة استثناء، سواء في بشاعة الاقتتال، أم في الممرّات الخلفيّة التي ساهمت في حدود دنيا بتخفيف التوتر أو الاحتقان في لحظات سياسيّة وعسكريّة معينّة.

الحالة اللبنانيّة الراهنة تشي بما هو أعمق وأخطر من ذلك. أن تشهد البلاد تفشي الظواهر المسلحة تحت ذريعة الحصول على القوت أو المحروقات أو أي من المواد الغذائيّة والحياتيّة الضروريّة (وقد شهدنا بعض نماذجها في الأيّام الماضية)، فهذا يعني الخروج التدريجي عن السيطرة، وانهيار ما تبقى من هيبة مهتزة للدولة. ومع الاضطراب الذي تشهده المؤسسة العسكريّة بفعل إنهيار قيمة العملة اللبنانيّة وتآكل رواتب الجنود والرتباء والضبّاط (أسوة بكل الطبقة العاملة اللبنانيّة) ستتجه الأمور نحو منحدرات خطيرة وغير مسبوقة.

من هنا القول إنه إذا كان ثمة “ضوابط” في مرحلة الحرب الأهليّة يمكن من خلالها التواصل مع مسؤولي الحرب. ففي الحالة الراهنة، ليس ثمة “ضوابط” ولا مسؤولين بل تقهقر تام لكل البنية الاجتماعيّة والأمنيّة نتيجة تدهور منظومة القيم الأخلاقيّة.

لا يمكن إغفال المؤتمر الدولي الذي عُقد لدعم الجيش اللبناني والذي عكس ثقة المجتمع الدولي بدور المؤسسة العسكريّة الضامن للاستقرار والسلم الأهلي في ظل الظروف الاستثنائيّة التي تشهدها البلاد. وإذا كان الدعم المباشر للجيش يشكل خطوة ضروريّة لاجتياز المشاكل المتنامية على كل المستويات المحليّة، وهو مهم جداً للحفاظ على الجيش وتوفير مقومات قيامه بدوره الوطني؛ إلا أن ذلك في نهاية المطاف ليس سوى دعم مؤقت لا يمكن أن يشكل قاعدة مستمرة ما لم تُعالج المشكلة السياسيّة من الأساس.

ثمة من يقول إن الأمن في لبنان سياسي بشكل أو بآخر، وهذا صحيح إلى حدٍ ما. ولكن، في ظل الانقسام العميق والتعثر التام والشلل المؤسساتي والتعطيل المنهجي الذي تشهده مؤسسات الدولة، هل لا يزال بالإمكان المراهنة على هذا الشعار؟ إذا كانت بعض المرجعيّات الأساسيّة المعنيّة بتوفير مناخات الاستقرار لا تكترث إلى حقيقة التوازنات المحليّة بعمقها التاريخي، فكيف ستعود الحياة السياسيّة اللبنانيّة إلى الانتظام؟

تباً لأولئك الذين سرقوا أحلام اللبنانيين، أو بالأحرى، وفق التعبير الذي استعملته إحدى المواطنات الغاضبات في وجه أحدهم: “تفه عليك!”.

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً