ماذا ستكون حصّة لبنان بعد عودة العلاقات السعودية – الايرانية؟

جورج حايك
جورج حايك

تتجه أنظار القوى السياسية اللبنانية إلى عودة العلاقات السعودية -الايرانية التي شكّلت الحدث الأهم منذ يومين، لأن الوضع اللبناني يتدهور بسرعة اقتصادياً واجتماعياً، ولا يُستبعد أن يؤدي إلى حالة من الفوضى الأمنية نتيجة اهتراء مؤسسات الدولة وتفكك الجمهورية إذا استمرت حالة الاستنزاف على هذا النحو.

ولا شك في أن عودة العلاقات الرسمية بين السعودية وإيران هي حدث ايجابي، أبرز ثماره: أولاً استئناف العلاقات الديبلوماسية بين الدولتين المجاورتين، ثانياً إعادة فتح سفارتيهما وممثلياتهما خلال مدة أقصاها شهران، ثالثاً تأكيدهما على احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، رابعاً سيعقد وزيرا الخارجية في البلدين اجتماعاً لتفعيل ذلك وترتيب تبادل السفراء ومناقشة سبل تعزيز العلاقات بينهما، خامساً تفعيل اتفاقية التعاون الأمني بينهما، والاتفاقية العامة للتعاون في مجال الاقتصاد والتجارة والاستثمار والتقنية والعلوم والثقافة والرياضة والشباب.

ولعل الدولتين خاضتا مفاوضات شاقة في العراق وسلطنة عمان منذ أشهر، استكملت بين 6 و10 آذار الجاري في الصين، ويبدو أن تدخل الصين كان فاعلاً وجدياً، نظراً إلى علاقات الدولتين الجيدة معها والتقاء مصالحهما معها.

وقد تكون البنود المتفق عليها والمذكورة أعلاه مهمة جداً، لكن الأهم فيها وما يعني لبنان هو تأكيد كل من السعودية وايران على احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، ولعل التحدي الكبير هو تطبيق هذا البند الذي يبدو مطلوباً بالدرجة الأولى من ايران التي كانت تتهمها السعودية بالمشروع التوسعي في دول عدة أهمها اليمن والعراق وسوريا ولبنان والبحرين وقطاع غزة.

ليس سراً أن القيادة السعودية تتطلع إلى تعزيز الاستقرار في المنطقة، وخصوصاً أن رؤيتها الاقتصادية تتلاءم مع هذا الاتجاه، وهي تشهد نهضة اجتماعية كبيرة على صعيد انماء الإنسان وتطوير قدراته، مما يتطلب استقراراً على كل الصعد.

قد يتراءى للبعض أن الاتفاق الذي جرى في الصين، تطلب تنازلات من الدولتين، حتماً لا يكون هناك اتفاق بين طرفين من دون تنازلات، لكن الجميع يعرف، بمن فيهم القيادة الايرانية بأن السعودية لا مشروع توسعي لديها، بل هي تحترم سيادة الدول أصلاً وتربطها علاقات صداقة مع دول الجوار، لكنها تحرص على أن لا تكون هذه الدول منصة إطلاق صواريخ ومسيّرات تزعزع استقرارها، لذلك لا شك في أن ايران هي الجهة التي يُطلب منها التخفيف من توسّعها وهيمنتها على دول المنطقة، ويمكن أن تستفيد اقتصادياً وانمائياً بعد عودة علاقتها مع السعودية.

لكن على اللبنانيين عدم الاستعجال واستباق الأمور، لأن عودة العلاقات السعودية – الايرانية لا تزال في مهدها وستكون في مرحلة اختبار، ومن الضروري معرفة رد فعل الولايات المتحدة الأميركية على اتفاق حصل برعاية غريمتها الصين!

أولى الأزمات التي ستجري ترتيبات حولها بين السعودية وايران هي حرب اليمن، التي أعلن الحوثيون المدعومون من ايران انتهاءها في أيلول 2022 الفائت، وأعربوا عن نيّتهم اقامة علاقات مع السعودية التي بادلتهم هذا الانفتاح بوضع وديعة في البنك المركزي اليمني بمبلغ مليار دولار، لتسديد رواتب الموظفين من كل فئات الشعب اليمني.

إذاً، ستفيد عودة العلاقات السعودية – الايرانية في انهاء النزاع في اليمن وعودة الاستقرار والنمو فيه. أما الملف الثاني الذي يبدو غير بعيد فهو تطبيع علاقات الدول العربية وفي مقدمها السعودية مع النظام السوري، وقد بدأ ذلك من خلال المساعدات الانسانية التي قدّمت الى المنكوبين من الزلزال العنيف الذي ضرب سوريا، وبدأ الحديث جدياً حول عودتها إلى جامعة الدول العربية. لكن ليس منطقياً أن يتم الانفتاح العربي على النظام السوري من دون ثمن يدفعه هذا النظام، أقلّه فك ارتباطه بايران سياسياً وعسكرياً، علماً أن الاتفاق السعودي – الايراني سيسهم في تراجع ايران والتخفيف من حضورها في سوريا.

أما لبنان فسيكون حاضراً في روزنامة الاتفاق السعودي – الايراني ولو استغرق التفاوض حوله وقتاً أطول نظراً إلى تشعب الأزمة اللبنانية والانقسام العمودي الذي تعاني منه، لكن لا بد من الاعتراف بأن ايران وحلفاءها في لبنان، لم يتركوا للسعودية شيئاً تتنازل عنه، نظراً إلى سيطرتهم الكاملة على الساحة اللبنانية، فيما ستطلب السعودية من ايران بإلحاح ردع “حزب الله” والضغط عليه ليتنازل عن تحكّمه بالمؤسسات الرسمية اللبنانية والتواضع قليلاً في الاستحقاق الرئاسي، بحيث سيصبح التنازل عن مرشحه سليمان فرنجية حتمياً نظراً إلى رفض السعودية مرشّحاً تستحوذ عليه ايران بنسبة مئة في المئة، وستصرّ على ضرورة منع حسن نصر الله من التطاول عليها.

قد يكون الحديث عن تفاصيل التسوية سابقاً لأوانه، لأن الكلام بين السعودية وايران حول أزمة لبنان لم يتطرق بعد إلى التفاصيل، لكن لم يعد مستبعداً الكلام عن فسحة أمل كبيرة لوضع لبنان على سكّة “تسوية الحل”، لأنه للمرة الأولى سيكون الحوار بين الدولتين الاقليميتين مباشراً حول لبنان، وهذا ما قد يستغرق أسابيع لن تتجاوز فصل الربيع كما هو متوقع.

لبنان ينزف وربما الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لم تعد تنتظر أي حوار طويل للوصول إلى تسوية بعد أشهر، لكن التطوّر الذي حصل منذ يومين على صعيد التقارب بين السعودية وايران سينعكس على الساحة اللبنانية ويخلق دينامية جديدة انطلاقاً من واقع اقليمي يفرض نفسه.

شارك المقال