الاتفاق السعودي – الايراني… بناء الثقة خطوة خطوة

فاطمة حوحو
فاطمة حوحو

مفاجأة كبرى كانت الاعلان عن اتفاق سعودي – ايراني برعاية صينية، حار المحللون في تقويمه بين مرحب ومهلل ومشكك بإمكان تنفيذه على الأرض لما يتطلبه من تنازلات قد لا تقدم عليها إيران. هذه المفاجأة لم تكن ردود الفعل عليها محلية وحسب، بل كانت أيضاً مدار اهتمام الأوساط الدولية والديبلوماسية، خصوصاً أن ضمانة التنفيذ هي الصين، ولذلك لا يمكن التسرع في قراءته، سوى من ناحية انعكاسه على الطرفين الموقعين وعلى المنطقة سواء كانت ايجابية أم سلبية، والأمر يحتاج الى وقت حتى تتضح الصورة لجهة الالتزام بتنفيذ البنود العلنية بالاضافة الى بنود أخرى ربما لم يعلن عنها، لا سيما أن الاتفاق الذي توج في الصين، سبقته محادثات منذ أكثر من عام في عمان وكذلك في العراق، وهو ثمرة هذه الاجتماعات التي طغى عليها الهم الأمني نتيجة الصراعات والتوترات التي حصلت بحكم الواقع المستجد المفروض من ايران بقوة السلاح والميليشيات التي تتبع الحرس الثوري على المنطقة، وعدم مراعاة الوجود التاريخي لدول الخليج والدور السعودي والعلاقات العربية – العربية، ولذلك لا يمكن النظر اليه من ناحية سلبية فهو مؤشر الى بدء علاقة جيدة بين الطرفين الموقعين لسحب فتيل الأزمات في المناطق المتوترة في المنطقة وهي مناطق تماس بين ايران والمملكة العربية السعودية.

ترى مصادر سياسية متابعة أن “بنود الاتفاق جيدة والأهم من بينها احترام خصوصية الدولة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، مما يعني أن من يتدخل في شؤون دولة أخرى أو يحاول عرقلة تطور هذه العلاقات أو وضع معوقات في طريقها ستكون العين عليه. وبالنظر الى بند اعادة السفارات وفتح القنوات الديبلوماسية وعودة البعثات يمكن اعتباره أمراً عادياً يدل على فتح مرحلة جديدة في ظل الأوضاع التي تعيشها المنطقة خصوصاً والعالم عموماً، فهناك تغييرات جيوسياسية مقبلة وقد يكون الطرفان يعملان على تحصين جبهتهما عبر الانفتاح الذي يتطلب وقتاً طويلاً لتبيان تأثيراته على الأرض ومعرفة المعايير التي اعتمد على أساسها ما تم الاتفاق عليه. كما أن من النقاط المهمة الواردة توحيد أسعار النفط والأهم اشارة المملكة العربية السعودية في العلن وهو ما يميز سياستها فهي لا تختبئ وراء اصبعها، الى أنها لن تسمح للولايات المتحدة الأميركية باستخدام أراضيها أو منطقة الخليج لمهاجمة أهداف ايرانية والالتزام بالعقوبات ضد ايران وهو أمر واضح، ومنذ البداية كانت المملكة تلتزم بهذه التوجهات على الرغم من أن الخلافات قد وصلت الى اطلاق الحوثيين صواريخ ومسيرات على مؤسسات سعودية بمساعدة ايرانية”.

وتستدرك المصادر هنا بالقول: “لكن من حيث المبدأ لا يمكن التخمين في طبيعة هذه الملفات وكيفية حلحلتها لأنها مرتبطة بالاجراءات التي يمكن أن يقوم بها أي طرف لتبيان احترامه لبنود الاتفاق الذي تضمن تنفيذه الصين، التي تسعى للدخول الى ضفتي الخليج العربي وايران وهي بالطبع هنا تحقق مصالحها لجهة تأمين احتياجاتها من البترول، فالسعودية توجهت نحو الصين وأعطتها دوراً ضامنا للاتفاق لا سيما وأن هناك اتفاقية بينن الصين وايران مدتها 25 عاماً”.

من الواضح أن الملفات كثيرة تتطلب بذل جهود كبيرة لحلحلتها ونقاشات، الا أن هذه المصادر تعتبر أن الاتفاق وضع “النقاط على الحروف ولم يعد باستطاعة الايرانيين تحريك أذرعتهم في الدول العربية لمواجهة السعودية في خطاباتهم وفي حماية تحركات معارضين لأنظمة دول الخليج، اضافة الى أن المملكة لن تفتح باب التواصل مع هذه الأطراف وبالتالي أي ممارسات مضرة سيكون الحديث فيها مع رأس الهرم في الطرف الايراني، وهذا يعني أن الذين كانوا يوجهون الشتائم وينتقدون المملكة لم يعد بإمكانهم ذلك والا سيعتبرون خارجين عن طاعة ايران، وكذلك لن يكون باستطاعتهم استخدام السوق الخليجية في تجارتهم للكبتاغون واستباحة الجمارك للوصول الى الأسواق العربية”.

وتشير الى أن الأهم هو “الاذعان لمواقف ايران بعدم اهانة المملكة أو توجيه التهم اليها في المحطات الاعلامية وفي المنابر والخطابات والوثائق المكتوبة والمرئية، وبالطبع تطبيع العلاقات يتطلب فترة للجم الاعلام الموالي لايران في تغيير لغته، فالاتفاق سيؤدي الى علاقات جديدة وخفض التوتر وفتح باب الحوار والتخلص من سياسة المناكفات”.

وعما اذا كانت ايجابية الحوار السعودي – الايراني والاتفاق الذي حصل سينعكس في لبنان، تؤكد هذه المصادر أن “لغة التشنج ستتراجع، فحزب الله أصبح اليوم مضطراً الى العمل بتوجهات ايران الجديدة لاعادة الثقة بينها وبين المملكة حفاظاً على المصالح المشتركة للطرفين، لا سيما وأن الاتفاق نص على عدم التدخل في الشؤون الداخلية لدولة أخرى، وايران معنية بتنفيذ ذلك لاعادة الثقة والتقارب بينهما. وقد شاهدنا أن حزب الله تسرع وأعلن عن دعم ترشيح سليمان فرنجية وهذا يعني أنه قرأ خطأ في التوجه السياسي لمسار العلاقة السعودية – الايرانية، أي أنه لم يراهن على اتفاق الدولتين، الذي أعلن بعد يومين وحشر في موقفه فهو لا يستطيع الاعتراف بأنه أخطأ في توقعاته ولن يتم التوافق على مرشحه كما كان يرغب، فالمسألة صارت أكبر من ذلك، المشكلة عند السعودية والفرنسيين والولايات المتحدة ليست في اسم سليمان فرنجية، ولكن في برنامج الاصلاح الذي يمكن أن يطرحه الرئيس في برنامجه ودوره في التنفيذ وكيف سيتعامل مع أزمات لبنان على كل المستويات، الحكومة، المرافق غير الشرعية، التهريب، سلاح حزب الله المنتشر خارج الحدود، وهذا سيؤدي الى فتح باب الحوار وعندما يكون هناك مرشح مستقل ومقنع لهذه الدول لن تستطيع ايران التعطيل، رئيس غير متحدٍ ويستطيع التحدث مع كل الدول العربية وكل الفرقاء في لبنان ويملك مشروعاً اصلاحياً كبيراً لحل المشكلة الاقتصادية ووضع لمساته لانقاذ الوضع المتهاوي والحفاظ على المؤسسات، لأن الدول الغربية تحاول ابعاد لبنان عن الصراع وتأمين الاستقرار الاقتصادي والمالي حتى يسمح له بالافادة من المخزون النفطي، فالغرب مستعجل على استخراج هذه الثروة بعد حرب أوكرانيا التي غيّبت النفط الروسي عن الأسواق”.

وتلفت المصادر الى أن “الاتفاق السعودي – الايراني يضع حداً لسياسات التحدي ويحفظ مصالح البلدين ودول المنطقة المحيطة وعدم اتباع سياسات كارثية، وهو تأكيد على أن العلاقات الديبلوماسية لا يمكن أن تبنى الا بالانفتاح والشفافية وبالحوار لحل الأمور الخلافية وتضمن المصالح المشتركة، وبالطبع ايران أمام امتحان في التزامها تطبيق الاتفاق وخضوع الحرس الثوري للقرار السياسي المتخذ، وهو ما سيظهر في سلوكياته سواء داخل ايران أم خارجها. ومن ناحية المملكة فالاتفاق بالنسبة اليها فوز ديبلوماسي كونها استطاعت أن تعمل على تهدئة الصراعات وهي تسعى الى ايجاد حلول في المنطقة التي أتعبتها الحروب وأنهكت شعوبها ودمرت مؤسساتها”.

لا شك في أن الاتفاق سيفكك عقداً كثيرة في ملفات قد تفتح لاحقاً من أجل معالجتها لتحقيق المصالح المشتركة لدول المنطقة بما فيها لبنان واليمن والعراق وسوريا وغيرها، وهو أمر لا يحدث بكبسة زر بل يحتاج الى الوقت الضروري لتحويل النيات الى أفعال.

شارك المقال