سهام ” البرتقالي” المصلحية تصيب عمق التحالفات الوطنية

هيام طوق
هيام طوق

من المتعارف عليه أن السياسة فن الممكن، لكن مع “التيار الوطني الحر”، يبدو أن المقاييس انقبلت رأساً على عقب، فأصبحت السياسة من خلال ممارساته اليومية بعيدة كل البعد عن الفن، تحمل في طياتها الكثير من العقد والنكد والحسابات الضيقة والمصالح الشخصية والكيدية، وبات الممكن غير ممكن مهما اشتدت الصعاب وضاق الخناق على البلد وأهله.

في الآونة الأخيرة، بدا “التيار البرتقالي” يغرد وحيداً خارج سرب المجموعات والأحزاب والتيارات الوطنية، محلقاً في فضائه الخاص الذي لا يمت إلى الواقع بصلة حتى إن كل تفاهماته نسفت، وتحالفاته تفككت، ومصالحاته اقتلعت من جذورها، ونكثت علاقاته مع الأفرقاء، الرايات السوداء، ليبقى له تفاهم يتيم مع ” حزب الله”، يبدو أنه خلال الأشهر الماضية أخذ بالتهاوي مدماكاً خلف مدماك، وهذا ما يظهر جليا للرأي العام من خلال المواقف المتباينة في أكثر من قضية وملف، ومن خلال التصريحات العلنية التي يدلي بها الطرفان. لكن، قبل الحديث عن التفاهم الذي على ما يبدو سيتحول شيئاً فشيئاً إلى لا تفاهم، سنلقي نظرة سريعة على الخلافات بين ” التيار الحر” مع القوى الأساسية على امتداد الوطن، ليسبح عكس “التيار الوطني “الذي يحاول بكل زخمه الإرساء بالبلد على شاطئ الأمان، لكنه يصطدم بأمواج “التيار البرتقالي” العاتية التي تمنع الرسوّ بأمان.

البداية مع مصالحة “القوات اللبنانية” مع “التيار الوطني الحر”، و”أوعا خيك ” التي بدت كمن يتمسك بحبال الهواء لأن التباعد في المواقف السياسية والاستراتيجية واضحة بين الطرفين حتى أن القاعدة الشعبية لديهما لم تؤمن يوماً لا بتفاهم ولا باتفاق بينهما انطلاقاً من مبدأ أنهما يسيران بمشروعين لا يلتقيان بغض النظر عن اتهام بعضهما لنقض التفاهم وعدم الالتزام باتفاق معراب.

أما على خط “تيار المستقبل” والتيار الوطني الحر”، فتراكمت الخلافات خلال مرحلة ثنائيّة الحريري- باسيل في أكثر من ملفّ سياسي حيث استعرت حرب الصلاحيات بين رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس الوزراء، وإصرار الرئيس سعد الحريري ترؤسه حكومة خالية من الوزراء السابقين، وفي طليعتهم وزير الخارجية السابق جبران باسيل، ومحاولة “التيّار البرتقالي”، تحميل ” التيّار الأزرق، مسؤوليّة التدهور الكارثي الذي بلغه الوضع في لبنان على مختلف الصعد، إضافة إلى الخلاف على العديد من الملفات كملف النازحين السوريين وملف الكهرباء وبواخر الطاقة، دون أن ننسى موضوع تشكيل الحكومة اذ إن البعض يرى أن فشل كل مساعي التأليف سببها الباطني، رفض “التيار الوطني الحر” تكليف الحريري، والى ما هنالك من تباعد في وجهات النظر وصولاً إلى فقدان الكيمياء بين الحريري وباسيل.

وسبحة الخلافات مع ” التيار الحر”، لم يسلم منها ” تيار المردة” حيث هنا لا تبدو المشكلة مشكلة كيمياء بين باسيل ورئيس “تيار المرده” سليمان فرنجية، بل الواضح أن الخلاف الحقيقي هو على رئاسة الجمهورية المقبلة، وبالتالي لا يمكن لفرنجية وباسيل أن يتفقا طالما أنّهما يشعران بالمنافسة في ما بينهما، وذلك وسط التراشق في الاتهمات والاتهامات المضادة.

وفي الأشهر الأخيرة، أصابت سهام ” التيار البرتقالي”، التفاهم مع ” حزب الله” حيث أقر باسيل بعد تعرضه لعقوبات أميركية متعلقة بالفساد، بأن وثيقة تفاهم مار مخايل تحتاج إلى إعادة نظر في بعض بنودها، لتتفاقم مرحلة التأزم مع بدء الردود والردود المضادة بين الطرفين، وآخرها كلام رئيس الجمهورية ميشال عون عن وقوف “حزب الله” على الحياد تجاه تمسك رئيس مجلس النواب بتكليف سعد الحريري ودعمه، ثم الرسالة التي وجهها النائب السابق نبيل نقولا إلى السيد حسن نصر الله، أشار فيها إلى أن أصابع الاتهام تتّجه إلى “حزب الله” في موضوع تهريب المواد الأساسية، كما برز تصريح لرئيس المجلس التنفيذي في “حزب الله” السيد هاشم صفي الدين، حمّل فيه المشكل الحكومي القائم إلى “بعض السياسيين الذين يريدون أن يتوصلوا إلى تحقيق مآرب شخصية عادية لهم، لم يتمكنوا من تحقيقها في الأيام الطبيعية”.

وبغض النظر عن بعض الآراء التي تعتبر أن تفاهم الحزب و”التيار” لا يمكن أن يتهاوى كسائر التحالفات الأخرى لأن هناك مصلحة ومقايضة بين الطرفين، اذ إن “التيار” المسيحي يغطي سلاح الحزب، ويستفيد بالمقابل من الحزب في الوصول إلى السلطة أو التعطيل، بات ” التيار الوطني الحر” على خلاف مع غالبية الشركاء في الوطن، لكن أين تكمن المشكلة ؟ هل في تفرد “التيار” بآرائه التي لم يعد يحمل وزرها أي طرف من الأطراف والتي أودت بالبلد إلى جهنم ؟ أو انه يغرد خارج سرب المصلحة الوطنية إن كان عن سوء نية أو جهل وصولاً إلى تحقيق مصالح شخصية؟ أسئلة توجه بها ” لبنان الكبير” إلى مسؤولين وناشطين في السياسة، وينتمون إلى أحزاب وأطراف مختلفة حيث أجمعوا على أن حسابات “التيار” تتناقض كلياً مع معظم الأطراف السياسية لأنه اعتاد أن يحصل على ما يريد، وبالتالي العلاقة بين “التيار” والأطراف الأخرى قائمة على المصلحة وليست علاقة مبدئية، وأن من يعرف رئيس الجمهورية يعلم أنه يلعب ” سولد” إما ربح كل شيء أو خسارة كل شيء، ومعركته الآن إيصال صهره إلى سدة الرئاسة مهما كلف الأمر، ويريد من الأفرقاء الالتزام المسبق بهذا الأمر، والأغلبية الساحقة لا توافق على وصول باسيل إلى سدة الرئاسة، لهذا السبب تبدو علاقاته مزعزعة مع الجميع، لكنه لا يدرك أن الظروف تغيرت، وان وضع البلد حالياً لم يعد يحتمل اللعب.

وأكد رئيس حركة التغيير إيلي محفوض أن “العلاقة بين “التيار” والاطراف الأخرى هي علاقة مصلحة وليس علاقة مبدئية. أما العلاقة مع “حزب الله” فهي قائمة على مصلحة تبادلية بين الفريقين وهما بحاجة لبعضهما. حزب الله ليس لديه مصلحة لتوتير العلاقة مع رئيس الجمهورية لأنه يؤمن الغطاء الشرعي للحزب، وبالتالي له مصلحة الابقاء على فريق مسيحي وازن في البلد لا تعارضه خاصة في موضوع السلاح كما أن “التيار” يعرف أن الفريق المتحكم بالبلد وعلى كل مفاصل السلطة، قادر بأي لحظة إذا ساءت العلاقة بينهما، أن يهدد مصير” التيار” انتخابياً ورئاسياً خاصة أن مرشح رئيس الجمهورية أصبح واضحاً وبالتالي “التيار” بحاجة إلى رافعة أساسية هي حزب الله. إذا، الكلام عن أن ابتعاد ” التيار” والحزب بات على قاب قوسين، مجافٍ للواقع وللحقيقة”.

وركز رئيس جهاز الإعلام والتواصل في حزب “القوات اللبنانية” شارل جبور على نقطتين ” أولاً: التحالف المركزي مع “حزب الله” بمعزل عن التباينات الحالية”، متسائلاً :” لماذا هناك تحالف ثابت منذ شباط 2006 حتى اليوم مع الحزب بينما كل التحالفات والتفاهمات تم نسفها؟ لأن بالنسبة إلى “التيار الوطني الحر”، فإنه من خلال سلاح الحزب، يضمن الموقع الذي يريده في حال حصل فراغ رئاسي. إذاً المقايضة الطبيعية هي أن يغطي “التيار” سلاح الحزب، والحزب بدوره يعطيه سلطة ونفوذ، لذلك هذا هو الموقع الأساسي الذي يرتكز عليه التيار”، معتبراً أن ” تفاهماته المتحركة هي جزء من أهدافه نحو السلطة لأن أولويته هي السلطة والموقع وليس المبدأ، لذلك كل التحالفات ليست سوى بهدف خدمة مشروعه السياسي “. أما النقطة الثانية التي تحدث عنها جبورهي أن ” التيار يستفيد أحياناً من مواجهات واشتباكات سياسية لأسباب لها علاقة بالتعبئة المسيحية من أجل شد عصب الحالة التي يمثلها خصوصاً انه الآن في حالة تراجعية على المستوى الشعبي والمسيحي، لكن ما هو ثابت التفاهم مع “حزب الله” إذ من خلاله يحجز سلطة أو فراغاً”.

ورأى قيادي سابق في “التيار الوطني الحر”، رفض الكشف عن اسمه، أن “فشل التيار في التحالف مع أي فريق سببه المشروع الشخصي والمصالح الخاصة في ظل غياب المشروع الوطني”، مشيراً إلى أن رئيس الجمهورية يلعبها ” سولد”، إما أن نخسر كل شيء أو نربح كل شيء، لكن البلد كان يحمل هذا اللعب، حاليا الناس لم تعد تحتمل والبلد ينهار”، معتبراً أن “الرئيس يحاول لي الأذرع، وأن يأخذ التزاماً مسبقاً من الأفرقاء بتثبيت صهره في رئاسة الجمهورية، وهذا ما لا تريده غالبية الجهات السياسية”.

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً