موانع سحب التكليف من الرئيس المكلف

رامي عيتاني

لم ينهض أبداً لا من نصوص الدستور اللبناني ولا حتى من تعديلاته المتعددة أي بند أو حتى فقرة واحدة تلزم رئيس الحكومة المكلف بأية مهلة لتشكيل حكومته. هذا وقد مر الدستور اللبناني بمراحل عديدة منذ وضعه في ٢٣ أيار ١٩٢٦ حتى اتفاق الطائف. فبعدما كان رئيس الجمهورية هو من يسمي الوزراء بمرسوم ويختار منهم رئيسا، اختلفت هذه المعادلة بعد التعديل الدستوري الذي نتج عن اتفاق الطائف عام ١٩٨٩، حيث نصت المادة ٥٣ منه، التي تحدد صلاحيات رئيس الجمهورية في بندها الثاني، على: “يسمي رئيس الجمهورية رئيس الحكومة المكلف بالتشاور مع رئيس مجلس النواب استنادا الى استشارات نيابية ملزمة يطلعه رسمياً على نتائجها”. ما يعني أنه بخلو النص من أية إشارة واضحة وصريحة لا لبس فيها، فإن رئيس الحكومة المكلف غير مقيد بأية مهلة معينة قد تطول أو تقصر، علما ان مناقشات النواب في مؤتمر الطائف تطرقت إلى هذه المسألة، لكن الرأي استقر على وجهة نظر رئيس الحكومة صائب سلام الذي أصر على عدم إلزام الرئيس المكلف بمهلة للتشكيل حتى لا يسيء استعمال هذه المهلة رئيس الجمهورية فيرفض كل التشكيلات التي تعرض عليه وتنقضي مهلة التشكيل.

كما أن الدستور اللبناني لم يلحظ أي مسوغ أو تفسير لنظرية سحب التكليف من الرئيس المكلف، فاستنادا لبندي المادة ٥٣ نفسها من الدستور فانه لا يمكن إستخراج أو إستنباط أية فكرة أو مخرج لسحب التكليف من النواب ما يعني بدوره عدم وجود أي مخرج دستوري لسحب هذا التكليف، بل على العكس تماماً باعتبار أن الرئيس المكلف وبمجرد تكليفه يصبح المسؤول عن التأليف من دون أي سقف زمني مشروط.

ومن الثابت والمؤكد أنه لا يجوز لمبدأ عام أو لقاعدة عرفية أن تخالف قواعد الدستور اللبنانية، الذي يعتبر القانون الأسمى والأعلى بين القوانين، وبالتالي لا مجال لإعمال قاعدة “أن البرلمان سيد نفسه” من أجل عقد جلسة عامة للمجلس النيابي لمناقشة أزمة تعثر التشكيل والتصويت على استمرار التكليف من عدمه. كذلك لا مجال أبدا لإعمال قاعدة “الظروف الاستثنائية” من أجل ابتداع أو إيجاد أو تنقيل صلاحيات دستورية تخالف الغاية الضيقة من تفسير هذه القاعدة التي تبقى بحدودها الدنيا، ولا تطال الصلاحيات الدستورية للمؤسسات الدستورية الثلاث.

كذلك لا مجال لإعمال قاعدة “موازاة الصيغ والأصول” بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف، باعتبار أن مصدر التكليف لا ينحصر برئيس الجمهورية، وحده كون الاستشارات النيابية الملزمة التي يجريها رئيس الجمهورية هي الموجب الأساس لتسمية رئيس مكلف للحكومة.

كما أنه لا يمكن الإرتكان إلى مبدأ أن برلمانية النظام تجعل من الحكومة رئيسا وأعضاء خاضعة للسقوط في أي وقت أمام البرلمان، ولا لمبدأ “من يستطيع الأكثر يستطيع الأقل” باعتبار أن من يستطيع حجب الثقة عن حكومة عاملة برئيسها وأعضائها بالأحرى أن يكون قادراً على طلب حجب الثقة عن رئيس حكومة مكلف .

كذلك لا يمكن الإرتكان الى أصحاب نظرية “حكومة الأمر الواقع” كمخرج من نفق التشكيل، ولا لقاعدة “هذه حكومتي شاء من شاء وأبى من أبى” لأننا بلد محكوم بالتوافق السياسي، باعتبار أن أي حكومة لا تكون دستورية إلا بعد نيلها الثقة من مجلس النواب .

كذلك الأمر لا يمكن الإذعان للأصوات التي تنادي بتعديل دستوري لن يرى أي صدى أو أي إجماع وطني، استنادا للمادة 76 من الدستور التي تنص على أنه “يمكن إعادة النظر في الدستور بناء على اقتراح رئيس الجمهورية، فتقدم الحكومة مشروع قانون الى مجلس النواب، علماً أن هذه الصلاحية لا تتوافر لدى حكومة تصريف الأعمال بل يجب أن تكون مادة لحكومة تتمتع بصلاحيات كاملة .

الخلاصة، أن تكليف رئيس الحكومة هو تكليف مبرم ونهائي بالدرجة الأخيرة ولا يمكن سحبه أو التراجع عنه، وأن المهلة الوحيدة الملزمة له هي مهلة الشهر الواحد لتقديم بيانه الوزاري بعد تشكيل الحكومة.

ومع ذلك فإن رئيس الجمهورية بمقدوره أن يستعجل عملية التشكيل عبر مخاطبة ثنائية مع الرئيس المكلف، لكن ليس بمقدوره دستورياً أو عرفاً وقف التكليف، كما أن مجلس النواب بمقدوره أن يصعد سياسياً قدر المستطاع، لكنه لا يستطيع من الناحية الدستورية سحب التكليف من الرئيس المكلف.

وفي ظل عدم وجود أي ضابط دستوري أو نص صريح يسمح بذلك، وفي ظل انتفاء أي صلاحية دون وجود نص دستوري صريح، وفي ظل عدم وجود أية سابقة لسحب تكليف أي رئيس حكومة سابق قبل الطائف وما بعده، فإن الوحيد القادر على إنهاء التكليف هو فقط الرئيس المكلف، إما بتنحيه أو باعتذاره عن متابعة المهمة الموكلة إليه، أو بسحب الثقة منه لكن بعد تشكيل حكومة كاملة وتقديم بيانها الوزاري ، أو بتعديل دستوري جديد ووضع قانون يضع مهلة على الرئيس المكلف لتشكيل الحكومة.

 

* المحامي رامي عيتاني – المستشار القانوني لموقع لبنان الكبير

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً