أطلبوا التوافق ولو في… الصين !

ياسين شبلي
ياسين شبلي

جاء الاتفاق السعودي – الإيراني الذي طال إنتظاره، من الصين هذه المرة، وبدأت التحليلات والتوقعات عما يمكن أن يكون وَقعَه على المنطقة وأزماتها ومن ضمنها طبعاً لبنان.

لا شك في أن هذا الاتفاق يُعتبَر نقلة نوعية بالنسبة الى العلاقات بين دول المنطقة، التي عانت ولا تزال تعاني من تداعيات الخلاف بين البلدين على طريقة الحرب الباردة منذ العام 2003، عام الانفجار الكبير في العراق وما جرَّه من إرتدادات إقليمية في كل من لبنان وسوريا وفلسطين، وحتى العام 2015 عندما تحوَّلت الحرب إلى مواجهة مباشرة في اليمن الذي وصلت إليه الاندفاعة الايرانية في المنطقة، وباتت تشكِّل خطراً مباشراً على المملكة العربية السعودية.

في لبنان، كان لافتاً أنه قبل الاتفاق مباشرة كانت هناك إندفاعة من الثنائي الشيعي الى إعلان ترشيح سليمان فرنجية للرئاسة بعد ترددٍ دام عدة شهور، كانت الورقة البيضاء فيه هي “المرشح المعلن” للثنائي، الأمر الذي فسَّره البعض بأن “تعليمة” ما وصلته بخصوص الاتفاق، ما دفعه الى طرح مرشحه علانية وهو المعروف عنه – بغض النظر عن رأينا في سياسته – أنه لا يتخذ القرارات إعتباطاً، ولم يقتصر الأمر على إعلان الترشيح بل تعداه إلى العمل على تسويقه وخوض معركته، وذلك عبر الاتصالات مع سفراء الدول ذات الاهتمام والمعنية بالوضع في لبنان، وهو ما تبيّن من التسريبات التي أكدَّت على لسان السفيرة الأميركية دوروثي شيا عدم ممانعة واشنطن – على الأقل – إنتخاب فرنجية، على الرغم من تأكيدها أنها لا يمكن أن “تمون” في هذا الأمر على المملكة العربية السعودية، في وقت تتحدث المعلومات عن حماس فرنسي لتبني صيغة سليمان فرنجية – نواف سلام من ضمن سلة متكاملة بالاتفاق مع الثنائي الشيعي ومن ورائه إيران، ربطاً بتسهيل دخول شركة “توتال” إتفاق الترسيم البحري مع إسرائيل.

في المقابل، وللأسف لم يصدر عن “المعارضة” بالأخص المارونية بجناحيها، أي تحرك أو مبادرة جديدة مثلاً من جناح “القوات اللبنانية” وحلفائها، يمكن أن تساهم أو تشي بجدية خوضها معركة مرشحها أو الاتفاق على مرشح بديل، وكأني بها بذلك تعطي المصداقية لكلام رئيس مجلس النواب نبيه بري، عن كون مرشحها مرشح “أنبوبي” بمعنى أنه مرشح تجربة، ويبدو أنها تنتظر هي الأخرى “تعليمة” ما، من طرف ما في هذا العالم. كذلك الأمر بالنسبة الى الجناح الآخر المتمثل في “التيار الوطني الحر” الذي يبدو أنه كعادته يعمل بمبدأ باسيل أو لا أحد، والدليل أنه حتى اليوم لم يطرح أي مرشح جدِّي يمكن أن يخوض به المعركة لا من داخل التيار ولا من خارجه، وفي الانتظار تلجأ هذه “المعارضات” إلى بكركي لممارسة “الرياضة الروحية” والدعاء، علَّ الله والخارج يمِّن عليها برئيس ترغب فيه، ولا “تقاتل” من أجله كما يفعل الثنائي الشيعي الذي يعمل على طريقة “إعقلها وتوكَّل على الله”.

هذا على المستوى الداخلي والتمنيات اللبنانية وتعويلها على الاتفاق السعودي – الإيراني، ولكن ماذا عن أهل الاتفاق أنفسهم، هل هم في وضع من يلتفت الى موضوع لبنان، والمنطقة والعالم يعيشان أزمات لا تنتهي، من حروب تكاد تمسهما مباشرة كاليمن وأوكرانيا، وتوترات دائمة كما في سوريا وفلسطين، وعوامل طبيعية كما في تركيا وسوريا، وقلاقل داخلية وأزمات إقتصادية كما في إيران؟ وإذا كان الاتفاق قد يُعرِّج على لبنان، فبأي مرتبة من الاهتمام سيكون الموضوع اللبناني، وكم من الوقت سيستغرق الوصول إلى هذا الملف إذا إفترضنا حُسن النية في تطبيق الاتفاق، وهل يملك اللبنانيون ترف الوقت لانتظار الترياق الآتي من الصين؟ أسئلة تتطلب وعياً وهدوءاً وواقعية لمحاولة الاجابة عليها، وقد يكون الجواب الوحيد الواقعي والمخلص والسهل الممتنع – إذا جاز التعبير – هو ما قاله وزير خارجية المملكة العربية السعودية بأن لبنان يحتاج الى توافق لبناني – لبناني في الدرجة الأولى، وذلك قبل أي توافقات أخرى قد تساعد في تجاوز بعض العقبات، إلا أنها لا يمكن أن تحل محل اللبنانيين في إدارة شؤون بلدهم، ولنا في التجارب الماضية منذ الاستقلال إلى اليوم عبرة لمن يَعتبر، فما أكثر العِبر وما أقل المعتبرين. فإذا كانت السعودية وإيران وهما بلدان مختلفان قد توصلا الى تفاهم وإتفاق بعد كل ما جرى بينهما من مشكلات، فهل يعجز اللبنانيون بعد أن وصلوا وأوصلوا بلدهم إلى الحضيض عن حل مشكلاتهم الداخلية بالتوافق لو طلبوه بإخلاص حتى ولو في… الصين؟ سؤال بحاجة إلى وقفة ضمير ومسؤولية قبل الاجابة عليه والعمل بموجب هذه الاجابة.

شارك المقال