لبنان ليس في أولويات الاتفاق السعودي – الايراني!

جورج حايك
جورج حايك

استبشر اللبنانيون خيراً بالاتفاق السعودي – الايراني الذي استضافته بكين عاصمة الصين، وانتظروا أن ينعكس ذلك سريعاً على ملف انتخاب رئاسة الجمهورية اللبنانية، لكن الاتفاق بخطوطه الكبرى لم يأتِ على ذكر أي من الدول التي كان فيها نزاع بين المعسكرين في المنطقة طوال هذه الفترة، وركّز على إعادة العلاقات الديبلوماسية بين السعودية وإيران عبر استعادة السفراء والقناصل والممثليات، وتفعيل الاتفاقية الأمنية بين البلدين الموقعة في نيسان 2001 وإعادة الاتفاقية العامة للتعاون في مجالات الاقتصاد والتجارة والاستثمار والتقنية والعلوم والثقافة والرياضة والشباب، الموقعة في 1998.

ومن المتوقع أن يحصل لقاء قريب بين وزيري خارجية الدولتين الأمير فيصل بن فرحان آل سعود وحسين أمير عبد اللهيان تمهيداً لاعادة العلاقات الديبلوماسية تدريجياً، وهذه الخطوات ستكتمل خلال شهرين. كذلك، وجّه الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود دعوة الى الرئيس الايراني ابراهيم رئيسي لزيارة السعودية.

في الواقع، هناك بند واحد في الاتفاق قد يشمل دول المنطقة هو تأكيد الدولتين على سعيهما الى وقف التدخّل في الشؤون الداخلية للدول، وتعزيز السلم والأمن الاقليميين والدوليين. لكن هذا لا يعني أن لبنان يحتل الأولويات على هذا الصعيد، بل هناك ملف أكثر حساسية ودموية هو الحرب اليمنية، التي ستكون في واجهة المفاوضات والترتيبات بين السعودية وإيران، وهما ستستكملان ما بدأتاه في مسقط وبغداد منذ عامين حتى اليوم، بحيث كان الملف اليمني دائماً في الصدارة. ومن الخطوات الملموسة التي ستظهر في اليمن، تعزيز وقف اطلاق النار، وقف شحنات الأسلحة الايرانية إلى الحوثيين، رفع الحصار عن اليمن، والدفع باتجاه تسوية سياسية تشمل جميع الأطراف اليمنية. لكن ما تسرّب عن أن سلطنة عمان ستقود مفاوضات بين السعودية و”حزب الله” لسحب عناصر الأخير من اليمن واغلاق معسكرات التدريب هناك وما إلى ذلك، ليست معلومات موثوقة. فالسعودية تفاوض المرجعية العليا أي ايران، وبالتالي كل الميليشيات الأخرى تنفّذ قراراتها ولا تحتاج السعودية إلى فتح قنوات مع الفروع. علماً أن تهدئة ساحة اليمن واستقرارها ينعكسان ايجابياً على السعودية ونهضتها الاقتصادية والاجتماعية والاستثمارية ورؤية 2030.

في المقابل، ستستفيد ايران عبر إعادة العلاقة مع السعودية من فكّ العزلة الدولية المرهقة، وخصوصاً في الجانب التجاري، بحيث أن السعودية صاحبة أكبر اقتصاد في الشرق الأوسط، وتحسين العلاقات التجارية معها يدعم الاقتصاد الايراني المنهك بالأزمات.

لا شك في أن ترتيب الأوضاع بين السعودية وايران سيستغرق وقتاً، وإعادة الاستقرار إلى اليمن والتوصّل إلى تسوية نهائية لن يكونا سهلين، بل يحتاجان إلى مفاوضات طويلة، وورشة إعادة اعمار بعد حرب مدمّرة.

وليس سراً أن السعودية تعطي الاتفاق مهلة للتأكد من حسن نوايا الايرانيين ومدى جديّتهم في تنفيذ بنوده، وسيكون الملف اليمني الاختبار الأول، قبل أن تُستكمل الترتيبات في الدول الأخرى مثل سوريا التي سيكون نظامها أيضاً في موضع اختبار إذا كان سيخفف من التبعية لإيران والعودة إلى الحضن العربي، وقد بدأت ملامح الانفتاح العربي الخليجي عليه من خلال زيارات متبادلة، وربما يستفيد من التقارب السعودي – الايراني ليلاقيهما في منتصف الطريق، علماً أن هناك شرطاً سعودياً وخليجياً لمساعدته مالياً واقتصادياً يقضي بانفتاحه على قوى المعارضة واجراء اصلاحات حقيقية في نظامه وإعادة النازحين من دون شروط مسبقة. غالباً ما كان النظام السوري مارقاً ولا يلتزم بالاتفاقات الاقليمية والدولية أو يطبّقها وفق مصالحه ونظرته الضيّقة التي لا تحتمل مبادئ الحرية والديموقراطية وقيمهما. وبعد سوريا، سيكون الملف العراقي مطروحاً أيضاً، وإذا طبّق الاتفاق السعودي -الايراني وسارت الأمور بطريقة سليمة، فسيستفيد العراق من هذه الأجواء لتعزيز حضور الدولة والاستقرار.

أما لبنان الذي يتخبط في الخلافات السياسية، فليس قادراً على الانتظار وقتاً طويلاً لأن كرة ثلج الانهيار الاقتصادي والمالي تتدحرج بسرعة هائلة، مما ينعكس فقراً وعوزاً وكوارث على الشعب. فأكثرية القوى السياسية تعلم أن الحل اليوم هو بانتخاب رئيس للجمهورية من دون انتظار مفاعيل الاتفاق السعودي – الايراني، إلا أن “حزب الله” ينتظر عمليات الشراء والبيع بين الدولتين الاقليميتين ليبني على الشيء مقتضاه، ويلعب لعبة “الوقت” ويستنفذها لتحقيق مكاسب لن يستطيع أن يحققها متى نضجت التسوية بين السعودية وإيران. وهو يفسّر الاتفاق على مزاجه، معتبراً أن السعودية تراجعت لأنها وجدت مصلحتها مع ايران بعدما تخلت عنها الولايات المتحدة الأميركية، ويُراهن على أنها ستعطي ارشاداتها للقوى السياسية اللبنانية المتحالفة معها للتراجع والقبول بسليمان فرنجية رئيساً!

لكن “الحزب” المأزوم، يقرأ التطورات الاقليمية على نحو بعيد عن الواقع، أو أقلّه يلعب في الوقت الضائع لأنه لم يحن الوقت لحل الأزمة اللبنانية بعد، وحتى السعودية رددت أكثر من مرة على لسان مسؤوليها أن لا تنتظر القوى السياسية أحداً لانتخاب رئيس، وهي لا تتعامل مع أصدقائها في لبنان من خلال الأوامر والارشادات وتنفيذ الارادات الخارجية، ولا يقبل حتى أصدقاؤها هذه النوعية من العلاقات التي اعتادت عليها قوى الممانعة في لبنان خلال حقبة الاحتلال السوري وحتى اليوم.

لكن لا شك في أن الدول المعنية بالوضع اللبناني، ونقصد بها الدول الخمس: فرنسا، الولايات المتحدة، السعودية، مصر وقطر، تحاول أن تساعد اللبنانيين للاتفاق على مرشح يقبل به الجميع، إلا أن كل المعلومات المتوافرة تؤكد أنها غير متفقة، ولعل ما أصبح واضحاً أن فرنسا كانت متساهلة مع وصول فرنجية إلى قصر بعبدا، لكنها واجهت “فيتو” سعودياً قوياً، لأن المملكة تعرف أن أي رئيس ممانع سيبقي الأبواب مفتوحة للتدخلات الايرانية، وهي غير مستعدة لضخ أموال طائلة لمساعدة الدولة اللبنانية على النهوض إلا في ظلّ وجود رئيس اصلاحي وانقاذي متحرر من براثن “حزب الله”. من هنا، رهان “الحزب” على تغيّر في الموقف السعودي ليس واقعياً، ويبدو أن تأخير فرنجية ترشيح نفسه لعلمه أن مسألة انتخابه ليست مضمونة بعد، بحيث لا يزال بعيداً عن 65 صوتاً، والظروف الاقليمية لم تنضج بعد، وإذا أتى دور الملف اللبناني فسيكون الاتفاق على رئيس بمواصفات أخرى قادر على التحرر من تسلّط “الحزب”.

تعرف السعودية الواقع السياسي اللبناني جيداً، وليست في وارد ارجاع عقارب الساعة إلى الوراء، والقوى السياسية اللبنانية السيادية لن تقبل بالتنازل هذه المرة وقد تصعّد مواقفها أكثر في مواجهة تعنّت “الحزب” الخائف من حتميّة تنازلات وتراجعات إذا اكتمل الاتفاق السعودي -الايراني، لذلك هو يحاول في غفلة من الزمن استباق ذلك برئاسة موثوقة ومحسوبة عليه، لا تلين أمام الضغوط ولا تبدّل في توجهاتها مع تبدّل موازين القوى.

صحيح أن الملف اللبناني مؤجل إلى الصيف، لكن متى نضج الاتفاق بين السعوديين والايرانيين، واتخذ مساره التطبيقي، فسيضطر “الحزب” إلى الانسحاب من سوريا كما سيضطر في مرحلة لاحقة إلى تسليم سلاحه، لأن جوهر الاتفاق قائم على الاستثمار في الحياة لا الموت.

لذلك، ليس مستبعداً أن يكون ضغط الوضع المعيشي والمالي والاقتصادي مفتعلاً من “الحزب” الذي يستخدمه ليتراجع خصومه، لكن رهانه هذه المرة ليس في محله والوقت لن يكون لمصلحته، وغداً لناظره قريب.

شارك المقال