باسيل “اليائس” للسيّد نصرالله: أنقذني…

رواند بو ضرغم

لو كان خطاب الوزير السابق جبران باسيل قد جاء على لسان أي زعيم ذي مبدأ أو أي شخصية مسيحية لم تُراكم كراهية اللبنانيين والعالم أجمعين، لكان التفّ حوله المسيحيون وساندوه في معركة الحقوق والصلاحيات. إلا أن باسيل مدّعي حماية حقوق المسيحيين الذي راكم في خطابه تعابير شد العصب المسيحي، هو نفسه من طلب الاستعانة بالسيد حسن نصرالله لأنّه يثق به ويأتمنه على موضوع الحقوق، وسيقبل بما يقبله السيد لنفسه حكومياً. كلام رأته مصادر مطلعة انفصاماً لدى باسيل، فهو من شن معركته لمنع رئيس الحكومة المكلف المسلم من تسمية وزيرين مسيحيين، فكيف سيقبل بما يمكن أن يمليه عليه السيد نصرالله حكومياً؟ وماذا لو طلب منه أن يسهل تأليف الحكومة من خلال إعطائها الثقة مقابل ثمانية وزراء لفريق رئيس الجمهورية، وذلك بالتوازي مع قبول طرح باسيل بأن يسمي “حزب الله” الوزيرين المسيحيين؟ فهل سيقبل حينها؟ ألن يصبح ذلك انتقاصاً لحقوق المسيحيين؟! هذا مع الإشارة إلى أن “حزب الله” رفض أن يسميهما وليس مستعداً لقبول طرح باسيل بتسميتهما. صحيح أن باسيل فوّض السيد نصرالله الحل الحكومي، ولكن أليس من الجنون اعتقاد باسيل أنه باستطاعته الإيقاع بين الثنائية الشيعية، وخصوصاً أنه في الخطاب نفسه دفن مبادرة رئيس مجلس النواب نبيه بري وقال إن (لا عناصر لهذه المبادرة أو على الأقل ما منعرفها ولا مرّة تبلّغناها). فإذا كان باسيل عيْن السيد، فإن الرئيس بري عيناه وتوازن جسده الشيعي، فكيف له أن يفوضه حلاً ويعبث بأمانه الشيعي بالقول عن بري إنه “وسيط غير نزيه”، ومسعاه غير مرغوب فيه، و”طلع منحاز ومسيء لنا؟”. فهل يعتقد باسيل أن ما طرحه حل يمكن أن يجد طريقه بين حارة حريك وعين التينة؟!

صعّد الرئيس نبيه بري في رده على رئيس الجمهورية ميشال عون، وقال إنه لا يحق له بتسمية وزير واحد، مذكراً إياه بأنه هو صاحب القول: “بعدم أحقية الرئيس ميشال سليمان بأية حقيبة وزارية أو وزارة”. ودعاه للذهاب إلى الحل، ما هو هذا الحل؟! مشاركة “التيار الوطني الحر” وإعطاؤه الثقة مقابل ثمانية وزراء لفريق رئيس الجمهورية… فأي تراجع عن هذا الكلام الرئاسي لبري يعد خسارة سياسية له وربحاً لباسيل. وهذا ما لن يقبله “حزب الله” بحق شريكه الشيعي. فهل سيفرض السيد نصرالله حل الرئيس بري على باسيل؟ هذا أيضاً لن يقبل به “حزب الله” ولن يعطي باسيل ذريعة تحميل الحزب مسؤولية أي فشل محتمل بعد تأليف الحكومة!! مصادر مقربة من الثنائي الشيعي قرأت في كلام باسيل أنه يقبل ما يقبل به السيد نصرالله لنفسه، أنه يهدف إلى إيجاد مخرج له بعد استشعاره بأزمة العقوبات الأوروبية الحقيقية التي أبلغ عنها مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل للمسؤولين اللبنانيين. فرمى باسيل الطابة عند السيد نصرالله، وكأنه يطلب منه أن ينتشله من هذه الأزمة ويفرض عليه الحل حتى لا يظهر بصورة المتراجع المهزوم، إنما ليظهر بصورة المتنازل الوطني نزولاً عند رغبة “الوسيط النزيه”. وفي هذه الحالة، السيد حسن نصرالله لا يفرض، ولو أراد أن يفرض لكان فرض عليه تسهيل مهمة الرئيس نبيه بري وإنجاحاً لمبادرته، ولكنه سيستمر بلغة الحوار وتقريب وجهات النظر ولعب دور الإطفائي بين حليفيه اللدودين (عون وبري) وفق المصادر المطلعة.

فإن الرابح الوحيد من كلام باسيل هو “حزب الله”. صحيح أن كلامه جريء بالهجوم على جميع القيادات السياسية والمرجعيات الروحية (البطريرك الراعي ضمناً) محيّداً حزب الله. وكلامه جريء أيضاً بتفصيله الأزمة الحكومية والواقع المسيحي، وإن كذب في أغلب الوقائع. إلا أن المكسب الذي حققه “حزب الله” هو أن باسيل جدد مبايعته بعد أن كان يلوّح بفكّ تحالف مار مخايل واتهام “حزب الله” بتغطية الفاسدين، وعدم مساعدته في بناء الدولة، وبعد أن ابتزه بالانتخابات النيابية المبكرة حيناً وبالفدرالية أحياناً، وتحمّله عبء العقوبات الأميركية من غير مقابل. وهكذا يكون “حزب الله” قد استعاد جهاراً الغطاء المسيحي الذي يضمنه له “التيار الوطني الحر” على طبق من فضة، ولم يكلفه حتى وعداً لباسيل بالكرسي الرئاسي على غرار عمه الجنرال… بدأ باسيل في خوض الانتخابات بخطاب طائفي مبني على أسس التمسك بالصلاحيات والحقوق، إلا أن تفويضه السيد نصرالله فتح باب الرد من القوات اللبنانية التي اعتبرت أن دور المسيحيين تراجع بعد بروز أمثال باسيل المستقوي بسلاح “الحزب”.. تفويض باسيل لصديقه نصرالله استفز أيضاً الأحزاب المسيحية التي تختلف إيديولوجيا مع حزب الله. كذلك نفرت منه الشخصيات المسيحية المستقلة. كما أن تصويبه على حصة “المردة” والحزب السوري القومي في الحكومة، استفز جمهورهما. فلم يحصد باسيل من خطابه إلا استرداد بعض اليائسين من أنصار “التيار الوطني الحر” الذين ابتعدوا عن السياسة نتيجة إخفاق العهد وانهيار البلاد، فاستعادهم من باب ما سماه ( معركة بمستوى الوجود)..

قالها باسيل: “المناصفة الفعلية هي 12 بـ 12، بيسمّوهم بالتوازي والتساوي المسيحيين والمسلمين، مش 8 بيسمّوهم المسيحيين و 16، 8 بـ 8 بيسمّوهم أو بيقطروهم المسلمين. هيدي اسمها مثالثة ومرفوضة! “.

والرئيس بري قال أيضاً قبل أيام قليلة: “لنا الرغبة أن نصدق ما ذهبتم إليه إذا كنتم أنتم تصدقونه”. جملة الرئيس بري هذه صالحة مع باسيل في كل الأحيان وعلى اختلاف الظروف، فهل سيصدق باسيل نفسه وسيتمسك بما قاله عن المناصفة وافتعاله أزمة المثالثة إذا قَبِل الرئيس سعد الحريري بتسوية جديدة معه؟! أم أنه سيطيح كل ما قاله مقابل مصالحه الشخصية وعقدته الرئاسية!! فالتسوية مرفوضة حتماً عند الرئيس الحريري وإجابة الرئيس بري لباسيل بصفة المعجل المكرر: مرة ثانية نريد أن نصدق!!

وأخيراً أن ينال باسيل شرف رد الرئيس بري عليه فلن يحصل، ولن ينحدر إلى مستوى الرد على نائب في برلمانه، أما رده فسيبقى محصوراً بالرد على الرئاسة الأولى على توقيته وعند اقتضاء الحاجة، فهكذا تُحفظ المقامات بتجاهل أصحاب العقول الفتنوية..

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً