مبادرة بري تنتظر أجوبة عون

وليد شقير
وليد شقير

الحجج التي يمكن اللجوء إليها من أجل تبرير عدم حصول تقدم في الحل الوسط لإخراج لبنان من الفراغ الحكومي، على قاعدة المبادرة المنتظر أن يقوم بها رئيس البرلمان نبيه بري، بدت كثيرة في الأسبوع المنصرم، في مقابل بعض الآمال التي أنعشتها بعض المواقف والتسريبات بأن بري سيشغل محركاته لاستيلاد الحكومة.

رئيس الجمهورية ردد مرتين يوم السبت الماضي عند زيارته بكركي من أجل معايدة البطريرك الكاردينال بشارة الراعي، عبارة “حتى يرجع الرئيس المكلف” رداً على سؤاله عن توقعاته في شأن تشكيل الحكومة الأسبوع الطالع. وهو بذلك يذكر بامتعاضه من أسفار الرئيس سعد الحريري في ظروف انسداد أفق تأليف الحكومة، الأمر الذي ينظر إليه الوسط السياسي على أنه تعبير مكرّر عن تعاطيه مع الحريري بطريقة تتراوح بين السخرية والاستهزاء، على طريقة مخاطبته ب “رئيس الحكومة السابق”. وهذا بحد ذاته كان مؤشراً الى أنه “مش ماشي الحال”، في جهود إزالة العراقيل من أمام ولادة الحكومة.

وإذا كانت أسهل الحجج هي أن عطلة عيد الفصح عطلت التواصل بهدف العمل على تدوير الزوايا وفقاً لروحية مبادرة الرئيس بري، فإن الحجة الأخرى التي ستعود إلى الرواج في الأيام المقبلة هي أن لا معنى لقيام الحكومة من دون إطلاق التدقيق الجنائي في حسابات وموازنة مصرف لبنان المركزي.

وتوقع تكاثر الحجج بشر به الرئيس عون في تصريحه عند خروجه من بكركي مستبقاً العراقيل بقوله: “العقد تتوالد، حيث نقوم بحل عقدة، فتخرج واحدة أخرى”.

مع إعلان الأمين العام ل”حزب الله” السيد حسن نصر الله الأربعاء الماضي أن “هناك جهداً جدياً وجاداً” لإنتاج الحكومة الجديدة لأن البلد “استنفذ وقته وروحه”، معطوفاً على الضغوط الدولية الأميركية على الطبقة السياسية، اعتقد المتابعون لهذه الجهود أن الأيام الفاصلة مع عطلة العيد ستأتي ببعض الأجوبة عن بعض الأسئلة التي طرحها الرئيس بري، حتى يضمن أن مسار جهوده لن يكون مزروعاً بالعراقيل الكبيرة التي تمنع تقدمه إذا قرر الإقدام على هذه المغامرة.

حجة ستعود إلى الرواج في الأيام المقبلة، هي أن لا معنى لقيام الحكومة من دون إطلاق التدقيق الجنائي في حسابات وموازنة مصرف لبنان المركزي.

انطلق بري في السعي من أجل المخرج من الاقتراح الذي كان طرحه رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط على الرئيس عون عند زيارته القصر الرئاسي في 20 آذار الماضي، ووافق عليه: حكومة من 24 وزير على قاعدة توزع الحصص على ثلاثة أثلاث، أي ما عرف بثلاث ثمانات، من دون ثلث معطل لأي فريق. وقال عون لجنبلاط حين سأله الأخير: “أنا لا أريد الثلث المعطل على رغم كل ما يقال”. لكن بري ارتكز إلى موافقة جانبين بالمبدأ على تحركه، الأول هو “حزب الله” الذي وافق على قيامه بمبادرة بعد مناقشات جرت بين قيادتي “الحزب” وحركة “أمل”، لوقائع الخلاف الذي ظهر إلى العلن بينهما حول الحكومة، بعد دعوة نصر الله إلى حكومة تكنو سياسية. فبري عاكس هذا الطرح ببيان المكتب السياسي لحركة “امل” بعد 3 أيام، مشدداً على حكومة اختصاصيين غير حزبيين من دون ثلث معطل لأي فريق، وفق المبادرة الفرنسية. وحين أدت المناقشات بين الجانبين إلى حسم نصر الله الموقف بالموافقة على وجهة نظر بري، اشترط الأخير من أجل التحرك الجدي نحو حل وسط للخلاف على الحكومة أن يُحسم أمر عدم وجود مطلب بالثلث المعطل لأي فريق، فوافقه نصر الله.

أما الجهة الثانية التي ارتكز إلى موافقتها حتى يبدأ بري تحركه فكانت الرئيس الحريري، الذي لم يسلم نهائياً بصيغة ال24 وزيراً في انتظار موافقة الرئيس عون على صيغة الثلاث ثمانات ومن دون الثلث المعطل. لكن الحريري أبدى ليونة حيال العدد تحت سقف الالتزام بحكومة الاختصاصيين غير الحزبيين، ومن دون ثلث معطل، وترك لبري أن يحاول خصوصاً أن الأخير متشدد أكثر منه في رفض حصول الفريق الرئاسي على الثلث المعطل.

تطلب الأمر أن يسلم الرئيس عون وفريقه بأن الوزراء الثمانية الذين سيحسبون من حصته، بينهم الوزير الأرمني الذي سيسميه حليفه حزب “الطاشناق”، والوزير الدرزي الذي سيسميه النائب طلال أرسلان. بحيث يسمي هو7 من الوزراء المسيحيين ال12 في إطار المناصفة بين الطائفتين الكبريين. وحتى مساء السبت، لم يكن بري قد حصل على جواب من فريق الرئيس عون حول هذا الأمر، لأن عليه يتوقف مدى التزام رئيس الجمهورية بعدم الاستحواذ على الثلث المعطل.

فالمنطق يقتضي بأن يحاول “حزب الله” بما لديه من دالة على عون ورئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل أن يتخليا على اشرط الثلث المعطل، لكن المعطيات خالفت هذا التوجه. وفي وقت أشارت معلومات بعض الأوساط السياسية إلى أن عون طرح السؤال حول من يسمي الوزراء المسيحيين الآخرين من خارج حصته (5 وزراء) وأنه ناقش هذا الأمر مع البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي حين التقاه عصر السبت. فرئيس الجمهورية يرفض تسمية الحريري لوزراء مسيحيين، لأن هذا من حقوق الرئاسة في ظل عدم مشاركة حزبي “القوات اللبنانية” و”الكتائب” بمسألة تأليف الحكومة.

الحريري لم يسلم نهائياً بصيغة ال24 وزيراً في انتظار موافقة الرئيس عون على صيغة الثلاث ثمانات ومن دون الثلث المعطل، لكنه أبدى ليونة تحت سقف الالتزام بحكومة اختصاصيين غير حزبيين ومن دون ثلث معطل

وإذا كان معروفأ أن تيار “المردة” سيسمي إثنين من الوزراء المسيحيين الباقين، وأن “الحزب السوري القومي الاجتماعي” سيسمي الثالث، فإن المخارج لتسمية وزيرين آخرين تشير إلى أن المتعارف عليه أن الجانب الفرنسي سيكون له دور في اختيار كليهما أو أحدهما لأسباب تتعلق بضمان وجود أشخاص موثوقين في شأن المساعدات التي ستقرر للبنان. كما أشار بعض التسريبات إلى أنه ربما جرى اللجوء إلى اختيار وزير ملك من الحصة المسيحية يطلب إلى البطريرك الراعي تسميته، وسط استبعاد متابعين لموقف بكركي أن يكون الصرح ميالاً إلى إقحامه في هكذا خطوة.

والنقطة الثانية التي أثارت التساؤلات عما إذا كان عون يواصل المراهنة على الحصول على الثلث المعطل بطريقة مواربة على رغم تكراره أنه لا يريده، هي المعلومات عن أنه أبلغ الراعي أن الوزير الأرمني الذي سيسميه “الطاشناق” ليس من حصته، لأن “الطاشناق” لديه استقلالية عن تكتله النيابي على الرغم من أن نوابه أعضاء في “تكتل لبنان القوي” الذي يترأسه باسيل.

تنتظر مبادرة بري، الذي ينقل عنه حذره في التفاؤل، أجوبة عون حول مدى التزامه عدم الحصول على الثلث المعطل، وهذا أمر يفترض جهداً من قبل “حزب الله” لتسهيل مهمة بري. فهل سيقنع باسيل، الذي يرى أن الثلث المعطل حق لرئيس الجمهورية ينص عليه الدستور بطريقة غير مباشرة، لمجرد أنه أنه ذكر في المادة 65 أن هناك مواضيع تحتاج لثلثي عدد أصوات مجلس الوزراء، ولأنه أشار إلى أن الحكومة تعتبر مستقيلة في حال استقالة أكثر من ثلث أعضائها في المادة 69.

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً