“طبخة” الرئيس على نار ساخنة

فاطمة حوحو
فاطمة حوحو

على الرغم من أن الأجواء العامة توحي بأن البلد ذاهب نحو مزيد من الأزمات، وأي نور لم يظهر في نهاية نفق انتخابات رئاسة الجمهورية، الا أن الاتصالات لا تتوقف بين الدول المؤثرة في الملف اللبناني لاسيما فرنسا ودول عربية وايران، مع كلام يتردد عن طبخ تسوية جديدة أو “باكيج كامل” يعتمد على انتخاب رئيس من خارج الأسماء المرشحة من فريقي الممانعة والمعارضة السيادية، أي رئيس يتمتع بمواصفات جرى تحديدها في لقاء باريس الخماسي، يكون ملماً بعالم الاقتصاد والمال ومستقلاً وقادراً على التواصل مع الجميع، يعمل ضمن خطة لانقاذ الوضع ويعيد العلاقات اللبنانية – العربية الى مسارها الطبيعي لا سيما مع دول الخليج والأهم العمل على انقاذ ما تبقى من المؤسسات بعيداً عن الفاسدين والمفسدين.

وفيما مسؤولو لبنان يتلهون بقشور توقيت الساعة ويحاولون تهريب الصفقات، ويعطلون انتخابات رئيس الجمهورية، كان حراك الشارع يتصاعد في وجه اجراءاتهم التي تتسبب بمزيد من الأزمات المعيشية والاجتماعية، ويتراجع حكم القانون ليتسع حكم الأفراد بالقتل، في “حارة كل مين ايدو الو”.

ترى مصادر سياسية متابعة أن “السلطة تحاول الهاء المواطنين بأمور سطحية من أجل تمرير صفقات مشبوهة، وتتجاهل ما حذر منه صندوق النقد الدولي من خطر يتهدد لبنان في وجوده، من أدنى اهتمام بالصورة التي تتكون في الخارج عن هذا البلد المنهوب وحكامه الفاسدين الذين يتقاسمون السلطة ويحوّلونه الى مهزلة أمام دول العالم”، إلا أنها في المقابل تعتبر أن “الاتفاق السعودي – الايراني قد يكون طوق نجاة لإنقاذ لبنان من الصراعات الدائرة، فقد أعطى دفعة ايجابية في تحريك الملف الرئاسي، وتسارعت الاتصالات وزيارات المسؤولين الأجانب، وهذا الاتفاق اذا ما نجح فإن تأثيراته الاقليمية ستتضح أكثر مع البحث في حلول للملفات الساخنة في المنطقة، من اليمن الى العراق وسوريا ولبنان لن يكون خارجها بالطبع، وكلما كانت هناك جدية في التعاطي مع تنفيذ بنود هذا الاتفاق ستزداد جرعة التفاؤل في حل المشكلة اللبنانية وإخراج اللبنانيين من حالة اليأس والاضطراب السياسي والاجتماعي الذي يعيشونه بفعل النكد السياسي”.

وهنا تشير المصادر الى “نواحي ايجابية منها توقف الحملات الاعلامية من قياديي حزب الله على المملكة العربية السعودية، والواضح أن لدى ايران تعليمات صارمة الى الحزب بعدم افتعال أي مشكلة مع المملكة، وبالطبع هذا التكتيك الايراني الجديد يظهر أن التعامل مع الوضع في لبنان صار مختلفاً، وقد يحدث التقارب السعودي – الايراني تفاهماً حول شخصية رئيس الجمهوريه الجديد، بعد أن فشلت فرنسا في تسويق معادلة المرشح سليمان فرنجية مقابل نواف سلام، نتيجة الموقف السعودي الذي تمسك بخيار رئيس بغض النظر عن اسمه لا يكون محسوباً على فريق ولديه خلفية اقتصادية ليكون قادراً على مسايرة الخطوات مع البنك الدولي واجراء الاصلاحات اللازمة لا سيما في القضاء الذي انفلت عقاله، اضافة الى الاصلاحات السياسية لاخراج لبنان من دوامته وأيضاً ألا يكون هذا الرئيس منغمساً في فساد الطبقة الحاكمة. من هنا فإن الأسماء التي تطرح جدياً للرئاسة لن تكون من التي يجري التداول بها في الداخل وضمن الترشيحات السياسية، فهناك شخصيات لبنانية معروفة من المقيمين في الخارج قادرة على أن تتسلم هذه المسؤولية، وقد تبلورت مجموعة أسماء قليلة العدد في هذا الاطار ويمكن لهذا الطرح السعودي حول شخصية الرئيس أن يلقى تجاوباً ايرانياً بعد فشل اقتراح التسوية الفرنسية، ورفض المملكة أي تسويات شبيهة بتسوية العام 2016 التي أوصلت الى تعطيل السلطة وتحكم حزب الله بإدارتها وفق مصالح مرجعيته”.

ووفقاً لهذه المصادر فإن “فريق الممانعة الذي فاجأه الاتفاق سيرضخ للتوجهات الايرانية الجديدة وبالطبع لن يستطيع الثنائي تسيير الدولة وفقاً لأهوائه، فلن يكون هناك تشريع غير دستوري وحظوظ مرشحه صارت صفراً وهو ما بدا من خلال موقف رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط الذي أفهم أصدقاءه في هذا الفريق أنه لن يساير خياراتهم الرئاسية. ومن مؤشرات انتهاء حظوظ فرنجية، أن زيارته الى فرنسا قوبلت بوقفة من المغتربين اللبنانيين وبرسالة احتجاج توجهوا بها الى السلطات الفرنسية للقول انه غير مرحب به كونه جزءاً من منظومة لا تمثل خيارات الشعب اللبناني ولا تلبي طموحاته”.

وبحسب المصادر فان “تشكيل الحكومة لن يكون فيه أخذ ورد كما في السابق، واذا جرى تنفيذ الاتفاق فكل العقبات التي مر بها تشكيل الحكومات ستزول طالما أن التواصل بين القوى المؤثرة قائم ولم تعد هناك حاجة الى وسطاء للحل، ثم ان المرحلة المقبلة ستكون مناسبة لتطبيق الطائف وتنفيذ البنود التي لم تنفذ لا سيما تشكيل مجلس الشيوخ واللجنة الوطنية العليا لالغاء الطائفية السياسية واللامركزية الادارية وحتى بند تسليم سلاح الميليشيات، اذ سيكون على حزب الله اتخاذ هذا القرار بالدخول الى الدولة والرضوخ لشرعية قواها الأمنية لأن المساعدات العربية لن تتدفق اذا لم يطبق الدستور ولن تكون هناك هبات بل شراكة في المشاريع التنموية بعد تنفيذ الاصلاحات الضرورية واللازمة”.

وتلفت الى أن “كل هذه الملفات سيجري الاتفاق عليها بصفقة واحدة قبل الانتخابات الرئاسية، وهو أمر لم نشهده مسبقاً، اذ كانت الأمور تحل بنداً وراء بند ويجري الاختلاف حولها الى حد التعطيل، لكن المرحلة اليوم لن تكون شبيهة بسابقاتها وستكون هناك مقترحات جدية للتنفيذ لا سيما في بند الاصلاحات التي ستقدمها الدول المانحة والمؤسسات الدولية”.

وتؤكد المصادر أن “هناك مقاييس وقواعد جديدة في اللعبة السياسية في لبنان، وحلحلة الملفات الساخنة الأخرى في المنطقة ستؤدي الى حالة إستقرار لن يكون لبنان بعيداً عنها، ولذلك سيكون هناك تعاون مشترك بين ايران والسعودية لحرق مراحل وبرامج وخطط جدية لاحداث تغيرات في السلوك السياسي بما يضمن تحقيق الاصلاحات وعدم عرقلتها ورفع المستوى المعيشي للبنانيين الى ما قبل حالة الانهيار والاقتناع بأن اقتصاد الدولة لا يمكن منافسته باقتصاد دويلة”.

شارك المقال