لماذا الصمت عن عشرات العقود بالتراضي طيلة سنوات؟

محمد شمس الدين

تراجع وزير الأشغال العامة والنقل في حكومة تصريف الأعمال علي حمية عن تلزيم إنشاء مبنى جديد في مطار رفيق الحريري الدولي، علماً أن أي جهة قانونية أو رقابية لم تبدِ رأيها بالموضوع، ولم يصدر تقرير عن ديوان المحاسبة، ولكن يبدو أن تراجع الوزير حصل بسبب الانقسام الحاصل في البلد، وكيف أن كل ملف يتم استغلاله والاستثمار فيه سياسياً وطائفياً، الا أن السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا اليوم؟ هل هذا يعني أنه سيتم التراجع عن مئات العقود بالتراضي التي أبرمت في شتى القطاعات اللبنانية؟ الوزير تراجع بعد الضجة التي أثارتها بعض الأطراف السياسية، لماذا كانت هذه الأطراف نفسها صامتة في فترات وعقود سابقة؟

رئيس هيئة الشراء العام جان العلية فضّل عدم الدخول في تفاصيل الملف، موضحاً في اتصال مع “لبنان الكبير”، أن “الملف بيد ديوان المحاسبة، وهي الجهة الرقابية التي يجب أن تبدي الرأي في أمر كهذا، ونحن كهيئة شراء عام قلنا رأينا داخل لجنة الادارة والعدل، علماً أن الوزير حمية تراجع عن التلزيم، والديوان لم يبدِ رأيه بعد”.

أما عن الحملات التي تشن على الملف وتصوّب باتجاهه، فأكد العلية ما كتبه على صفحته على موقع “تويتر”: “يأكلون مع الذئب ويبكون مع الراعي”.

أما المدير العام للاستثمار السابق في وزارة الطاقة غسان بيضون فأشار الى أنه “يمكن الاستنتاج عن فعالية الأجهزة الرقابية من حجم الفساد المستشري في البلد، فعندما تشهد الفساد وترى العجز والدين العام، وتعيش الهبوط إلى الجحيم والهاوية، ولا مؤسسة أو الدولة أو إداراتها تقوم بالتدقيق في الحسابات، بينما تنفق مليارات الدولارات على فترات من السنين وليست هناك مراقبة، يصلح المثل (المال السايب يعلم الناس الحرام)”.

وأكد بيضون أن “هناك تمثيلية تتكرر دوماً، فالوزير له الحق وفق قانون المحاسبة العمومية بأن يختصر المهل إن كان الأمر مستعجلاً، وهم يعلنون دائماً عن المناقصات ولكن يقصّرون المهل، وتكون غير كافية لتأمين منافسة بين عدد معقول، فيتقدم متعهد واحد للعرض في أول مرة، وهو نفسه يتقدم في المرة الثانية فيقولون يمكننا أن ننجز العقد بالتراضي، وهذا الأمر حصل كثيراً وتحديداً في الكهرباء”.

ولفت الى أن “النظام المالي في وزارة الطاقة يفرض أن يتم إعداد لائحة بالمتعهدين المحتملين الذين يمكن أن تتعاقد معهم الوزارة، وهذه اللائحة يجب إعادة النظر فيها سنوياً، في ضوء المستجدات والتجربة، ولكن المضحك أن اللائحة هي نفسها دوماً، والأسماء الموجودة فيها بغالبيتها لشركات ومتعهدين لا يتقدمون للعمل مع الوزارة، بل ربما هناك من لم يعودوا موجودين في السوق، إلا أنهم يراسلونهم للتقدم الى العمل ولا يتقدمون وعندها ينجزون عقوداً بالتراضي، هذه الحيلة تتكرر ومعروفة وأصبحت مألوفة”.

وعن قانونية العقود بالتراضي، قال بيضون: “هذه العقود تحصل عندما تكون الخدمات التقنية بالمعرفة أو المهارات تتجاوز قدرات الادارة، مثلاً الادارة لا تمتلك جهازاً يستطيع وضع دفتر شروط لانشاء معامل الكهرباء، ولذلك يتم اللجوء إلى استشاريين بالتراضي، ولكن هذا الأمر يستوجب تحديد الشروط المطلوبة، بأن هذا الشخص يمتلك القدرات وتتوافر فيه الشروط التقنية والتجارب التي تسمح له بأن يتسلم هذا الأمر، وقد يكون تم التعامل معه سابقاً”.

واعتبر بيضون أن “الاستخفاف بالرقابة والسلطة التشريعية، والذي هو نتيجة تركيبة الحكومات بين الكتل الكبيرة معناه أن لا أحد يحاسب أحداً”.

إذاً، ديوان المحاسبة لم يقل كلمته في ملف إنشاء مبنى جديد في المطار وطريقة تلزيمه ولكن الادانة حصلت في الرأي العام، وهي في السياسة فقط، ولم يقدم أحد أي ملف يقول إن فيه فساداً أو شبهة، كل ما في الأمر هو مزايدات سياسية، ولذلك ارتأى الوزير حمية أن يتراجع عن المشروع، وتمريره عبر الآليات المعتمدة، علماً أن أسباب الحملة تعود إلى منطلقين، الأول هو مزايدة سياسية لفريق أصبح يعيش آخر أيامه في الساحة السياسية، والثاني سببه دعاة الفديرالية والتقسيم، الذين يريدون مطاراً ثانياً ليس لدواعٍ اقتصادية بل لأحلام تقسيمية فقط، وجميعهم كانوا صامتين بل أحياناً مشاركون، بالعشرات إن لم نقل المئات من العقود بالتراضي التي كانت تحصل في الدولة اللبنانية على مدار عشرات السنين.

شارك المقال