الاعتدال السعودي إقليمياً… وغيمة رئاسية بالصيف

ليندا مشلب
ليندا مشلب

اذا ترشح جبران باسيل لرئاسة الجمهورية، كم عدد الأصوات التي سينالها؟ واذا ترشح سمير جعجع للرئاسة، كم سينال؟ سامي الجميل؟ قيادات مسيحية اتفقت على السلبية برفضها سليمان فرنجية وفشلت في الوقت نفسه في تقديم نفسها كمنافس له كما فشلت في الاتفاق على ترشيح اسم آخر، هذا هو الواقع الذي يحكم الاستحقاق الرئاسي اذا أوهمنا أنفسنا بأن الخرق هو من عرين دارنا، أما اذا سلمنا جدلاً بأن الرئيس اللبناني هو نتاج تسوية اقليمية دولية فالوضع يختلف.

“ما هو مرفوض اليوم يمكن أن يصبح مقبولاً غداً والعكس صحيح” مقاربة تنطلق منها مصادر سياسية مواكبة عن كثب للملف الرئاسي فتقول لموقع “لبنان الكبير”: “نحن نعمل على أن يكون هناك مناخ اقليمي دولي محلي مؤاتٍ فينجز الاستحقاق ويتم تجاوز الفيتوات الدولية والاقليمية”.

وتسأل المصادر: “كيف أنه اذا رشح حزب لبناني اسماً يصبح هذا تدخلاً، اما اذا رشحته دولة خارجية فيتحول الى مرشح وطني؟ هذا دليل على أن مسألة الترشيح ليست مبدأ انما خيار سياسي تدخل فيه حسابات حزبية وتتداخل فيه عوامل خارجية، والوقت كفيل بتفكيك كل الألغام، ولو كنا متفقين لسهلنا كثيراً المهمة لكن البلد مقسوم للعظم فساعة واحدة بيّنت الكره والحقد الدفين بين اللبنانيين أو بعضهم، وعلى هذا الجو هناك من أراد أن يأخذ البلد الى ما قبل اتفاق الطائف لاستدراج تسوية، والخطأ حصل من القيادات المسيحية التي تراهن على تسوية جديدة من دون أن تعلم أن أي اتفاق جديد سيكون على حسابها تماماً كما حصل في الطائف الذي وضعت بنوده من وحي أخطاء المسيحيين آنذاك، وبدل أن يقوموا بدور متوازن ويزنون مواقفهم بميزان الجوهرجي ذهبوا الى تطرف في تصرفاتهم يخدم الاتفاق السني – الشيعي في المنطقة. يجب أن يدركوا جيداً أن هذا التفاهم لن يفضي الا الى تسويات. الأمير محمد بن سلمان ضرب التطرف وفتح المملكة نحو الحرية والديموقراطية وانتهاج الاعتدال، بينما هناك من يصر على تطرفه في لبنان ويشد العصب الطائفي وهذا التشنج سيؤدي مرة جديدة الى الدمار، وربط التطرف بمصالح شخصية يجر معه رأياً عاماً… وان شاالله هالمرة يحصلو على قد ربع الطائف! اذا استمروا في سياسة الدفش باتجاه طائف جديد. وللحالمين بالفديرالية فليقولوا لنا: كيف ستطبق؟ من سيضمنها ومن سيرعاها؟ اذا كان الفاتيكان وواشنطن وأهم الدول الصديقة للبنان ترفضها”.

والأخطر أنه اذا استمر المسيحيون في لعبة التطرف فسيصبحون خارج اللعبة بل خارج الزمن، فقد ولت أيام خلق “وحش” لكي أكون أنا الحامي والمنقذ. “داعش” زال والتطرف الاسلامي الى زوال لصالح الاعتدال الذي تنتهجه السعودية، فإذا رفضوا المشاركة ستسير الأمور من دونهم. لا حرب أهلية تجزم المصادر وهذا الكره سيولد خسارات في تسويات كبيرة لأن الشاطر يكون في داخلها، ومحاربتها لن تجدي الا المزيد من استنزاف الوقت والسلم والحلول.

الأمور ستسير ببطء والدولة في النهاية “بدها تركب” تؤكد المصادر، هناك من سيوافق وهناك من سيرفض ويحرد، لكنه لن يستطيع العرقلة. الأمور ذاهبة الى اعتدال وليس الى اصطفافات طائفية في المنطقة، والحلم أصبح أصغر من القدرة على توليد توازنات جديدة (في العراق وسوريا هناك ٢٣ مليون كردي، هل استطاعوا تغيير الواقع مع العلم أن الأميركي بضهرهم؟ كلا).

أين أصبح الحراك الرئاسي وما صحة ما أبلغه الفرنسيون لفرنجية؟ تجيب المصادر: “الآن موقف بالطلوع، موقف بالنزول هذا ليس مؤشراً جدياً على حقيقة الأمر ففي النهاية الكل سيذهب الى مرونة لأن التعنت لا يولد حلولاً، والتسوية المنطقية في لبنان أن تشمل الطرفين تحت سقف التفاهم، حتى لا نعود الى سياسة التحدي والتعطيل، وبغض النظر عن الاسم، المهم أن نصل الى حل متوازن يعطي تطمينات وضمانات من كل فريق للآخر، الجميع اختبر تجربة التحدي والاقصاء ولا عودة الى الوراء”.

اما المشكلات والعقد الشخصية فلن تجد الى التسوية سبيلاً تقول المصادر، ومن ينجح في ترسيخ الدولة (MBS) لن يغطي أي حل غير ذلك في دول أخرى مهما كلف الأمر، وهذا واضح في التعاطي السعودي مع الملف اللبناني، فالمشكلة ليست أميركية ولا فرنسية لأن الطرفين برغماتيان ويسيران بالرئيس الذي سيحصل على العدد المطلوب من الأصوات، انما المشكلة مع السعودي الذي يسير بديبلوماسية تنسجم مع سياسته الداخلية الجديدة، وأي مرشح رئاسي في لبنان وخصوصاً فرنجية لن يقبل الوصول الا برضى وتفاهم مع السعودي لأن هذا الطريق هو ممر الزامي للنجاح في المهمة. الموضوع لم يعد عدد أصوات انما تأمين مظلة داخلية واقليمية للنجاح في الحكم، وما نفع الكرسي اذا تحول الى كرسي متحرك لرجل مشلول غير قادر على الانقاذ واتخاذ قرارات؟

وترى المصادر أن التصويب على فرنجية بأنه مرشح “حزب الله” هو تصويب هادف الى التخويف منه، لكن فرنجية ليس مرشح “حزب الله” بل هو مدعوم من الثنائي ومن كتل نيابية سنية ونواب من كل الطوائف ولديه صداقات مع الجميع (نواب “حزب الله” وحركة “أمل” يؤمنون ٣٠ أو ٣١ صوتاً مع النائب جميل السيد، لماذا التصويب فقط على هذه الأصوات وتجاهل الـ٣٤ الأخرى غير الشيعية التي يستطيع فرنجية تأمينها؟)، واذا ترك النواب على حريتهم فستحصل مفاجآت. اما أن تقول دولة انها ضد هذا الشخص فهذا الأمر سيشكل رادعاً أمام عدد من النواب وهذا بيت القصيد في احتساب الأصوات، لذلك “وقف العد” عند بعض الأصوات بانتظار أن تتبلور الأمور.

وتنفي المصادر الأجواء السلبية التي بثها البعض للقاءات فرنجية في باريس، مؤكدة أن الموقف السعودي لا يزال على حاله: لا أسماء انما مواصفات، والجديد التجاوب ولو ببطء مع مسألة مناقشة التطمينات وبرنامج الاصلاح المطروح من فرنجية والضمانات. ولم تستبعد مفاجآت يمكن أن تحصل على خط الرياض – بنشعي.

وتختم المصادر: “كل الأمور مفتوحة وفي النهاية حسابات الدول وتوازناتها ومصالحها أوسع بكثير ممن هو محكوم بعقد ومصالح محلية أو ممن يعتقد أنه يستطيع توظيف دول وسياساتها لمصلحته الشخصية… وكل شي بوقته حلو”.

شارك المقال