فخامة المتهم

فؤاد حطيط
فؤاد حطيط

فيما كان النظام الإيراني يحتفل بفوز مرشحه إبراهيم رئيسي بالرئاسة، ووسط تهان خارجية معدودة، كانت منظمة العفو الدولية تحتفي بهذه المناسبة بطريقة مميزة جداً: لائحة اتهام مطولة ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية بحق الرئيس المنتخب.

أعادت “العفو” تسليط الضوء على الماضي الأسود للقاضي ذي العمامة السوداء بمشاركته في “لجنة الموت” التي تتحمل مسؤولية إعدام وإخفاء آلاف المعارضين عام 1988، ودوره لاحقاً عندما كان رئيسًا للقضاء الإيراني، بإطلاق حملة قمع متصاعدة ضد حقوق الإنسان شهدت اعتقال مئات المعارضين السلميين والمدافعين عن حقوق الإنسان وأعضاء الأقليات المضطهدة بشكل تعسفي، كما حصانة شاملة للمسؤولين الحكوميين وقوات الأمن المسؤولة عن القتل غير القانوني لمئات الرجال والنساء والأطفال وتعريض آلاف المتظاهرين للاعتقالات الجماعية وما لا يقل عن المئات للاختفاء القسري والتعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة أثناء وبعد الاحتجاجات التي عمّت البلاد في تشرين الثاني 2019.

واعتبرت المنظمة أن “صعود إبراهيم رئيسي إلى الرئاسة بدلًا من التحقيق معه في الجرائم ضد الإنسانية المتمثلة في القتل والاختفاء القسري والتعذيب، هو تذكير قاتم بأن الإفلات من العقاب يسود في إيران”.

إنه “فخامة المتهم بجرائم ضد الإنسانية”.

الغريب فعلاً كان تعمد النظام الإيراني الإتيان بهذه الشخصية المتشددة إلى الرئاسة، في ظرف ايران أحوج ما تكون إلى وجه مقبول بشكل ما من الغرب لمحاولة إيجاد حلول لأزماتها المستعصية، الناجمة عن عقوبات خارجية كما عن سياسات طويلة بإهمال حاجات المواطنين والإنفاق في المقابل على مراكمة نفوذ في محاور خارجية.

والنظام الإيراني رئاسي بالشكل، إذ ينتخب الشعب رئيسه، لكنه حقيقة “نظام ولي الفقيه” حيث الكلمة الحاسمة لـ”الإمام المرشد”، وبالتالي فإن الرئيس لا يشكل فارقاً حاسماً في الإدارة والسياسة، لكن النظام كان “يتجمل” بين حين وآخر بوجه إصلاحي يسلط عليه الضوء إعلامياً ويصير محل توقعات شتى.

فافترض البعض أن “تصعيد” رئيسي للرئاسة، وهذا التوصيف الحقيقي اللانتخابات الأخيرة إذ أزاح النظام من دربه كل من يمكن أن يعرقل فوزه، هدفه تحضيره لخلافة مرشد الجمهورية الإسلامية علي خامنئي الذي تولى الرئاسة قبل الولاية. لكن القوة التي راكمها خامنئي تمكنه من اختيار خلفه من دون شكليات.

لذا افترض بعض آخر، أن النظام الإيراني اختار اللون الواحد لـ”عمامة السلطة” (السوداء) تحسساً منه باستحقاقات داخلية ساخنة وغير بعيدة، فيكون بذلك قد “وفر” استحقاقاً (الرئاسة) وتفرغ للاستحقاق الأهم (الولاية) وهذا متغير حاسم بالنسبة لمراكز القوة الحقيقية في هذا النظام.

ولا يبدو أن حسابات النظام الإيراني تلحظ أي تغير في مروحة علاقاتها الخارجية، ومسار الاتفاق النووي مرسوم وفق حسابات الإدارة الأميركية الديمقراطية وعلى سكة التواصل مع “مركز القرار” الحقيقي في طهران. لذا فإن تصعيد رئيسي للرئاسة تعبير عن تحسس النظام بوجوب الاستعداد لتحديات داخلية قد تلامس “الولاية” نفسها، وهنا لا يعود مسموحاً حتى باللون الرمادي بجانب الأسود.

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً