عقوبات “في انتظار غودو”

يارا عرجة
يارا عرجة

يلعب اللبناني على مرّ التاريخ دور الضحية. ضحية فتك العثمانيين واستبداد الفرنسيين. ضحية “الآخرين” الذين أشعلوا فتيل الحرب الأهلية. ضحيّة بطش السوريين والمؤامرات الإسرائيلية. ضحيّة الإيرانيين الذين دمّروا البلد اقتصادياً، اجتماعياً وسياسياً.

وقف اللبناني عاجزاً أمام الحروب والمؤامرات الخارجية، سجين حزبه ورهينة طائفته، لا يجرؤ على اتخاذ موقف حازم يُنقذ فيه وطنه أو يسترجع من خلاله حقوقه. فرأى في الخارج (وهنا التناقض) خير مُنقذ من أزماته. نستذكر معاً مثلاً كيف ترقّب اللبناني بحرقة، وصول الرئيس الفرنسي إيمانويال ماكرون إلى بيروت بعد تفجير 4 آب، مُعتقداً بسذاجته المُعتادة أنّه سيمّد له حبل الخلاص، فكانت المُفاجأة: هدّأ ماكرون من روع الشارع اللبناني الذي كان حينها في أوج غضبه، عقد صفقة سياسية مع السفاحين ورحل، وتطايرت معه وعود الانتقام وشعلة التغيير والثورة. فاعتبر اللبناني نفسه رابحاً وكأنّه سجّل هدفاً في مرمى السلطة، بينما تقوم هي برميه يومياً بـ”الغولات” من كلّ حدب وصوب.

هو ضحيّة الوهم لأنّه اعتقد أنّ إدراج بعض السياسيين على قائمة العقوبات الأميركية سيُجدي نفعاً، وأنّ الفاسد سيُعيد ما نهبه من أموال وأنّ السلاح سيُحصر بيد الجيش. وتخيّل أيضاً أنّ برّي سيتقاعد وأنّ عون سيستيقظ وأنّ جعجع سيعتذر وأنّ “بازيلوس” سيعود لحجمه الطبيعي. وحلَم أنّه في يوم وليلة، سيراهم على المشانق في ساحة الشهداء فيما تُشرّع أبواب قصورهم لاحتفالات الويك أند والمشاوي والشباب. إلاّ أنّه ومن شدّة بأسه، يخوض صراعاً بين أحلامه والواقع، ويتقلّب من شدّة قهره بين الحاضر المرير والمستقبل المجهول وتراه ينتظر.

“في انتظار غودو” يستمرّ الاستحقار والاستحكار ويستمرّ الهرج والمرج ويستمرّ النهب والتهريب.

“في انتظار غودو” يُعلّق الملف الحكومي وتُصفع امرأة غاضبة ويُهدّد والدها إن لم يعتذر.

“في انتظار غودو” يحتفل بأعياد الميلاد ويتلاعب بحقوق الطوائف.

“في انتظار غودو” لم يبق للبناني لا ليرة ولا دولار.

“في انتظار غودو” يموت اللبناني على باب المستشفيات والصيدليات، ويموت الرضيع جوعاً.

“في انتظار غودو” يفترش اللبناني سيارته ليلاً ليحظى بكم ليتر من البنزين نهاراً.

“في انتظار غودو”، يبحث اللبناني عن طريقة للتنقّل بعد رفع الدعم عن البنزين.

ما أصعب الانتظار في “جهنّم”. ما أصعب عقوباتها.

يُخبرنا بيكيبت في مسرحيته أنّ “غودو” لن يأتي. وهو حتماً لن يأتي في ظلّ العقوبات الأوروبية التي نوّه إليها منسّق السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيف بوريل، في لقائه مع رئيس الجمهورية السبت المنصرم، والتي إن طُبّقت ستؤدي إلى تفاقم الأزمة اللبنانية أكثر.

يغرق المواطن في فساد المسؤولين ويدفع ثمن نهجهم السياسي. يغرق في الطوابير والفواتير المتراكمة، ويعتقد أنّه الضحيّة بينما هو جلاّد نفسه لأنّه قبل تسديد فاتورة العقوبات على حساب كرامته ومستقبله وأسرته. لأنّه اختار الصمت اعتقاداً منه أنه “ما باليد حيلة” أو لأنّه ما زال مناصراً وحليفاً وذليلاً أو لأنّه يعلم أنّ موقفه لا “يقدم ولا يؤخر”.

قال بوريل إنّ “الأزمة التي يواجهها لبنان أزمة داخلية، ذاتية، ليست آتية من الخارج أو من عوامل خارجية” وهو مُحق. إن لم ينقلب اللبناني على السلطة، إن لم يرفض واقع الذلّ الذي فُرض عليه وإن لم يقم بعصيان مدني أو أيّ تحرّك يؤدي إلى تغيير فعلي، فسيشهد على زوّال الدولة.

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً