آخر من يحقّ له

حسان الرفاعي

آخر من يحقّ له الكلام عن حقوق المسيحيّين هو من رَهَنَ مستقبل المسيحيّين ووجودهم في لبنان لحماية “حزب الله” وبشار الأسد وحِلف الأقليّات. هو الّذي فَرِحَ لشغور رئاسة الجمهوريّة قرابة الثلاثين شهرًا إلى أن أوصلته بندقيّة المقاومة…

وآخر من يحقّ له الكلام عن الدّستور وثغراته هو من عارض اتّفاق الطائف سنة 1989 بحجّة فاصلة أراد إضافتها، ولمّا وصل إلى المركز الّذي يعطي رئيس الجمهوريّة صلاحيّة طلب تعديل الدّستور لم يَقُمْ بأيّ خطوة دستوريّة في هذا الاتجاه. فالمادّة 76 من الدّستور الّتي كُتِبَتْ سنة 1927 ولم يلحَقُها أيّ تعديل تنص: “يمكن إعادة النّظر في الدّستور بناءً على اقتراح رئيس الجمهوريّة…”

علمًا أن الرّئيس ميشال سليمان وقُبَيلَ انتهاء ولايته أقام حفلًا في بعبدا حضره مسؤولون وسياسيون وديبلوماسيون، شرح خلاله ما سجّله من “ثغرات” في الدّستور وأوصى خليفته بمعالجتها.

كذلك فعل السفير نواف سلام في كتابه الصادر حديثًا تحت عنوان: “لبنان بين الأمس والغدّ” حيث أفرد للتعديلات الدّستوريّة المرتجاة فصلًا كاملًا.

أمّا النّائب الّذي حضر الطائف وامتنع وحيداً عن التّصويت على مقرراته ومن ثمّ على الّتعديلات الدّستوريّة سنة 1990، فقد بيّن في كتاب مذكراته “حسن الّرفاعي حارس الجمهوريّة” مواضع الخلل في الدّستور وهي أغلبها مستمدّة من الاتفاق الثلاثي لسنة 1985 الّذي وقعته الميليشيات في رعاية وبتدخل حافظ الأسد.

وعليه نسأل الصهر الممتطي صهوة الصلاحيّات الرّئاسيّة أن يخبر اللّبنانيّين مَنْ مَنَعَ “الرّئيس القويّ” من استعمال صلاحيّاته الدّستوريّة في طلب التّعديل؟ أم أنّ فتح حرب الصلاحيّات على مصراعيها هو لزوم المزايدة الانتخابيّة وحشر المنافسين الطامحين للرئاسة الأولى تمامًا كما فعل عمّه سنه 1989…

يحتاج الدّستور إلى بعض المراجعة لسدّ “الثغرات” الّتي تعتريه كما يحتاج النّظام الدّاخلي لمجلس النّواب إلى إعادة قراءة ومراجعة، بعيدًا عن أجواء المعارك السياسيّة، على أن يسبق ذلك سحب السلاح من يدّ “حزب الله”. أمّا الّتعديل الدّستوري المُلحّ والأساسي فهو بإضافة فقرة إلى المادّة 49 من الدّستور تمنع على أقرباء رئيس الجمهوريّة حتّى الدّرجة الثانية من الّترشح للرئاسة الأولى قبل مضي 6 سنوات على انتهاء ولاية الرئيس !

وإلى أن يحين موعد هذه التعديلات نعيد على مسامع باسيل وكلّ طامح لرئاسة الجمهوريّة الآتي:

نظام لبنان السياسي هو جمهوري ديمقراطي برلماني حيث يلعب رئيس الجمهوريّة المنتخب من النّواب دور الحَكَم العادل المؤتمن على احترام الدّستور. هو رئيس لكلّ اللّبنانيّين وليس لفريق منهم. رئاسة الجمهوريّة تعود لماروني ولكنّ الرّئيس لا يمثّل الموارنة أو مصالحهم، ولا يُفتَرض به أن يكون الأكثر شعبيّة أو “الأقوى بين الموارنة”….

إنّ ابتعاد رئيس الجمهوريّة عن دور الحكم وانحيازه إلى جزء من الموارنة أو إلى محور الممانعة يضرب دوره ويمس شرف ونزاهة تحكيمه، حاله حال أيّ قاضٍ منحاز أو أيّ حكم رياضي يشهد الجمهور على انحيازه فيُرشقه بالبيض وينادي بتغييره واخراجه من الملعب واحالته على مجلس تأديب اللّعبة.

من هذا المنطلق، قُمْتُ ومجموعة من اللّبنانيّين باطلاق عريضة مبنيّة على دراسة دستوريّة طَالَبتْ النّواب بتحمّل مسؤوليّاتهم وبافعال المادّة 60 من الدّستور من أجل محاكمة رئيس الجمهوريّة لخرقه الدّستور وخروجه على دوره.

دراسة بيّنتْ أنّ لا وزراء في الحكومة لرئيس الجمهوريّة ولا ثلث معطّلا أو ضامناً له، أكان اسم الرّئيس ميشال عون أو سواه. ولأنّ الرّئيس يجب أن يكون منزّها عن سياسة الأحزاب والأفرقاء نصّت المادّة 75 من النّظام الداخلي لمجلس النّواب على أنّ لرئيس المجلس حقّ منع الخطيب عن متابعة الكلام إذا تعرّض لرئيس الجمهوريّة بما يمس الكرامة أو إذا تناول مسؤوليّته في غير ما نص عليه الدّستور. بتعبير أوضح، إن احترام الحَكَم واجبٌ وفرضٌ، شرط ألّا يبتعد عن حياده وإلّا فَسُدَتْ اللّعبة وخرب البلد وأصبح الحَكَمُ عرضة لكلّ الانتقادات ولأكثر من ذلك…

أكدتْ الدّراسة أيضًا أنّ ليس لرئيس الجمهوريّة أن يُؤخّر الاستشارات المُلزمة، كما ليس له أن يشارك في عمليّة تأليف الحكومة وإلّا وجب رحيله مع الحكومة الّتي شارك في تأليفها إذا سقطت في المجلس النّيابي أو في الشارع. وعليه إذا لم تُعْجِبْ هذه الصّلاحيّات الرّئيس وصهره أو أي رئيس جمهوريّة آخر فما عليهم إلّا طلب مقايضة رئاسة الجمهوريّة برئاسة الحكومة.

من ناحية أخرى، وعِوَضَ تكبّد باسيل عناء اللّجوء إلى صديقه السيّد حسن نصر الله، أَطْرَحُ أن تقوم الطائفة السنيّة ولو لمرّة، واحدة وحيدة، بمقايضة اعتذار الرّئيس المكلّف سعد الحريري لقاء تسمية رئيس حكومة ماروني صاف 24 قيراطًا، ينال ثقة واحترام شباب الثورة والغالبية النيابيّة ولا يكون مرشحًا للانتخابات النّيابيّة أو الرّئاسيّة، يحوز على ثقة المجتمع الدّولي والأخوة العرب، يسمي كافة وزراء حكومته سنّة وموارنة وشيعة بعد استشارات نيابيّة غير ملزمة ويذهب بعدها وحكومته لنيل ثقة المجلس وللتحضير للانتخابات النّيابيّة أمّا رئيس الجمهوريّة فيسهر على عدم مخالفة التشكيلة الوزاريّة لأحكام الدّستور…

رئيس الحكومة الماروني سيمثّل سنّة لبنان في توجههم الوطني السيادي أكثر من حسّان دياب أو أي اسم سنّي يتسكّع على عتبات باسيل وعمّه !

لقد آن لمهزلة الصلاحيّات أن تنتهي، الشعب اللّبناني بكلّ طوائفه يعاني أمّا جبران فيعيدنا إلى سنة 1988 وعنتريّات تلك الفترة !

ولأنّي في منتهى الاخلاص للبنان، ولأنّ التّهديد بالعلمنة وبقانون أحوال شخصيّة مدنيّ هي أمور لا تخيفني، أنا وكثير من الّلبنانيّين، من أهل السنّة في لبنان، لم يفاجئني الشاب منير الحجيري الآتي من عرسال خلال برنامج مارسيل غانم عندما قال بكلّ عفويّة أنّه مع رئيس جمهوريّة ورئيس مجلس نواب ورئيس حكومة، كلّهم من الطائفة المارونيّة، إذا كان الأمر يؤمّن خلاص لبنان ويحلّ المشكلة.

منير الحجيري شاب من عرسال، هذه البلدة الّتي وجّه لها جبران باسيل وكلّ مريديه أبشع النّعوت بالارهاب، وهو أثبت أنّه لا يخاف من أخيه في المواطنة الماروني ولا يخاف من ردّة فعل أهله وبيئته لتنازله عن “سنّيّة” رئيس الحكومة بغية خروج الّلبنانيّين وخلاصهم من محنتهم. إنّه يعبّر عن جيل الثورة وعن مستقبل لبنان واللّبنانيّين في أرضهم أكثر بكثير من صهر الرّئيس المتعصّب والفئوي المستميت لخلافة عمّه إلى درجة أنّه أوكل حماية وتحصيل حقوق المسيحيّين إلى “صديقه” السيّد حسن نصر الله.

بئس هذا المصير. إنّها الذميّة بعينها.

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً