إنفجار المرفأ… البحث عن عدالة دولية

هيام طوق
هيام طوق

في ذلك المساء، في 4 آب 2020، هز واحد من أكبر الانفجارات غير النووية في زمننا المعاصر مدينة بيروت، بعدما اشتعلت النيران بكميات كبيرة من المواد سريعة الاشتعال والقابلة للانفجار في العنبر رقم 12 في المرفأ، كانت مصادرة من سفينة ومخزنة منذ عام 2014. انتظر اللبنانيون تحقيقاً شفافاً خصوصاً بعدما وُعدوا بكشف الحقيقة بعد 5 أيام على وقوع الانفجار، لكن لم يسجل أي خرق في التحقيقات حتى الساعة، فوجد الأهالي أنفسهم محاصرين بالإحباط، ما دفعهم إلى مطالبة مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة إلى إنشاء بعثة دولية للتحقيق بالانفجار إلى جانب 50 منظمة حقوقية لبنانية وإقليمية ودولية، وذلك في رسالة مشتركة موجهة إلى المجلس، وقعتها المنظمات، ومن بينها منظمة العفو الدولية، إلى 62 من الناجين وعائلات الضحايا.

ولعل غصة هيكل عقيقي، ابن عم الشهيد جو عقيقي، وحسرته على فقدان قريبه توازي حسرته على إهمال المسؤولين قضية من هذا الحجم، ولسانه لسان حال كل الأهالي والمتضررين الذين لم يروا من التحقيقات سوى الوعود، وهم أكيدون اليوم أكثر من أي وقت مضى أنهم لن يصلوا إلى الحقيقة، لذا لجأوا إلى لجنة دولية لتقصي الحقائق لأنهم فقدوا الأمل بالقضاء والدولة “وللأسف اعتقدنا أن دماء شهدائنا ستغير مستقبل البلد، واعتبرناهم شهداء كل لبنان، لكن تبين أنهم شهداء عائلاتهم فقط”، كما يقول عقيقي.

وفي الرسالة التي نشرتها منظمة العفو الدولية، دعا الموقعون المجلس إلى “إنشاء بعثة تحقيق دولية ومستقلة ومحايدة من قبيل بعثة لتقصي الحقائق لمدة سنة، من أجل التحقيق في الانفجار الذي وقع في مرفأ بيروت”. وحثت المنظمات على “دعم هذه المبادرة باعتماد قرار لإنشاء مثل هذه البعثة في مجلس حقوق الإنسان” بهدف “التحقيق حول ما إذا كانت هناك إخفاقات في واجب حماية الحق في الحياة أدت إلى وقوع الانفجار في مرفأ بيروت، وعما إذا كان هناك إخفاقات في ضمان التخزين الآمن أو إزالة كمية كبيرة من المواد سريعة الاشتعال والقابلة للانفجار وإخفاقات في إجراء التحقيقات”.

وكانت منظمة “هيومن رايتس ووتش” الحقوقية، اتهمت السلطات اللبنانية بـ”التقاعس عن تحقيق العدالة في انفجار مرفأ بيروت”، معتبرة أن “التحقيقات المحلية مليئة بالانتهاكات الجسيمة للإجراءات القانونية، ومحاولات الزعماء السياسيين لوقف التحقيق، تعزز الحاجة إلى إجراء تحقيق دولي مستقل”.

فقيه: لمسنا هروباً من المسؤولية

وتحدث المدير التنفيذي للمركز اللبناني لحقوق الإنسان فضل فقيه عن آلية تقديم الطلب إلى الأمم المتحدة فقال: “اللجنة تتمتع بصفة رسمية، وتتألف من محققين من كل دول العالم، وبعد التحقيقات تصدر تقريرها الذي إما يتحول إلى محكمة دولية أو لا يتحول، فالقرار يعود إلى الأمم المتحدة “، مشيراً إلى “أننا ننتظر الرد على رسالتنا من الأمم لمتحدة”.

أضاف: “إننا نطالب بلجنة تحقيق دولية لأننا لمسنا هروباً من المسؤولية ومن العقاب. ونحن حريصون على أن لا يتم الاستغلال السياسي في هذه القضية إن كان من قبل الدولة اللبنانية أو من قبل الجهات الدولية كما حصل في المحكمة الدولية الخاصة باغتيال الحريري. سنتابع الموضوع، والمسؤولون عن الانفجار يجب أن يحاسبوا بغض النظر عن الجنسية أو الانتماء الطائفي أو إلى أي دولة ينتمون”.

صادر: لا إمكانيات لبنانية لكشف الحقيقة

إذاً، المنظمات الحقوقية والأهالي باتوا على قناعة تامة أن التحقيقات اللبنانية لن تصل إلى مكان يشفي غليل الجميع، وفي أحسن الأحوال ستأتي الحقيقة ناقصة أو مجتزأة، وتتقاطع هذه الآراء مع ما قاله الرئيس السابق لمجلس شورى الدولة​ القاضي ​شكري صادر​ لـ”لبنان الكبير”، إذ رأى أن “لبنان فرض عليه من قبل الطبقة الحاكمة أن تهتم العدلية اللبنانية بانفجار المرفأ بينما المعطيات الموضوعية تشير إلى أن الأجهزة الأمنية اللبنانية لا تملك الإمكانيات التقنية للقيام بتحقيق متكامل وعلمي بقضية انفجار المرفأ. والعدلية في وضعها الحالي غير قادرة على أن تحمل التحقيق في الانفجار بكل حرية”، مشدداً على “ضرورة أن يكون هناك لجنة تحقيق دولية محايدة، تشرح لنا ماذا حصل في المرفأ، وهذه اللجنة يمكنها الوصول إلى المعلومات من كل دول العالم من خلال دخولها إلى الأقمار الاصطناعية، وأن تقوم بتحليل للتربة حتى تلك التي رميت في البحر لتحليلها ومعرفة المواد الموجودة فيها. لبنان محروم من كل ذلك التطور والتكنولوجيا، وبالتالي عندما نتحدث عن ضخامة الجريمة التي تعتبر ضد الإنسانية، وعندما نتحدث عن ثالث أقوى انفجار في العالم، وأول انفجار غير نووي في العالم، هل يمكن تسليم التحقيق بجريمة بهذا الحجم لفلان أو علتان؟ الأسباب التقنية والوضع القائم في لبنان ووجود الأحزاب والتشنجات القائمة، تقول إنهم لا يستطيعون، وهذا واضح”.

وسأل صادر: “كيف يمكن لرئيس الجمهورية أن يقول بعد نصف ساعة من الانفجار، لا نريد تحقيقاً دولياً لأنه يميّع الحقيقة. هل التحقيق الدولي يميع الحقيقة، والتحقيق الذي يقوم به جهاز أمن الدولة وجهاز المعلومات وجهاز مخابرات الجيش وجهاز الجمارك، يعطي النتيجة التي وعدونا بها خلال خمسة أيام، وحتى اليوم لا شيء. ذلك، لأنه عندما نعمل على صعيد علمي، نعرف سريعاً أي احتمال يمكن الأخذ به، لكن نحن نقوم بنصف عمل، وتبقى كل الاحتمالات مفتوحة” مشدداً على أن “لجنة التحقيق الدولية قادرة على أن تكشف الحقيقة بينما القضاء اللبناني والأجهزة الأمنية ليس لديهم الجهوزية، ولا يملكون الامكانيات التي تمكنهم من الوصول إلى نتائج حاسمة في قضية انفجار المرفأ” .

وأكد أن “التحقيق القائم في لبنان حالياً لا يعني أن القضاة ليسوا على قدر المسؤولية أو أنهم ليسوا أحراراً أو ليس لديهم الشجاعة، إنما ماذا ينفع كل ذلك إذا كانوا لا يملكون المتطلبات العلمية لمعرفة أسباب هكذا انفجار، وهي ليست متوافرة لدى القضاء اللبناني ولدى الأجهزة الأمنية اللبنانية، هذا فيما لو انطلقنا من حسن نواياهم، فكيف الحال لو بدأنا نشكك بأن كل جهاز يتبع لجهة سياسية كما أن كل جهاز يعطي قسما من معلوماته والقسم الآخر يخبئه”، معتبراً أن “التحقيق في لبنان لن يصل إلى نتيجة، وإذا توصل إلى نتيجة ستأتي إرضاء لأرواح الشهداء إنما لن تكون مبنية على العلم مئة في المئة”.

وميز صادر بين المحكمة الدولية وعمل لجنة التحقيق الدولية، مشيراً إلى أن ” قضية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري قضية مخابراتية بامتياز، والمحاكم الدولية لا تحاكم جهات أو أنظمة أو دولاً أو أحزاباً، بل تحاكم الشخص الذي ارتكب الجرم، وفي قضايا الإرهاب من الصعب جداً الوصول إلى الشخص الذي نفذ، مع كل هذا، ومع أن لجنة التحقيق الدولية في قضية اغتيال الحريري بدأت عملها بعد ثمانية أشهر، استطاعت أن تعرف بالأسماء المنفذين، وهنا المرجلة لدى لجنة التحقيق الدولية، لكن ماذا حصل في المحكمة الدولية شيء آخر… في انفجار المرفأ القضية أسهل، إذ إنه بإمكان لجنة التحقيق الدولية أن تعطي تقريرها خلال ستة أشهر، كما أنها تحدد ما إذا كان الانفجار ناتجاً عن ضربة طيران إسرائيلي أو عملية كوماندوس أو حريق مفتعل أو نتيجة الإهمال. لجنة التحقيق الدولية يمكنها أن تجاوب على هذه الأمور خلال ثلاثة أشهر، ونحن في لبنان بعد عشرة أشهر، لا شيء على صعيد التحقيقات”.

وقال: “لا يستحق شهداء المرفأ والجرحى والذين تهجروا من منازلهم، أن يتعاملوا من قبل السلطة بهذه الطريقة. وأجبنا تجاه الشهداء وكل متضرر أن نقول لهم على الأقل، الحقيقة”.

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً