تجميل أميركي لإسرائيل.. وبينيت لا يختلف عن نتنياهو

حسناء بو حرفوش

نشر موقع “ميدل إيست مونيتور” (MiddleEastMonitor) البريطاني المتخصص بقضايا الشرق الأوسط تحليلاً يسلط الضوء على الاستثمار الأميركي في تجميل صورة الحكومة الإسرائيلية الجديدة، محذراً من أن الواقع الإسرائيلي لم يتغير البتة مع الحكومة الجديدة. وفي ما يأتي ترجمة لأهم ما ورد في المقال.

“أثار استخدام الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما قولاً مأثوراً لتشويه سمعة خصمه السياسي، السيناتور الأميركي الراحل جون ماكين، جدلاً سياسيًا استمر لأيام عدة. حينها، قال أوباما خلال جولة ضمن حملته الانتخابية في العام 2008: “يمكنك وضع أحمر شفاه لخنزير، لكنه مع ذلك سيبقى خنزيراً”، في إشارة إلى أن التعديلات السطحية لا تكفي لتغيير حقيقتنا (…) والسياسيون الأميركيون خبراء في التغيير المصطنع والخطابي والضحل فعليا. وحالياً، يعمل فنانو التجميل السياسي في واشنطن مجدداً على تجميل الوجه العام لإسرائيل. فمنذ الإطاحة الدراماتيكية ببنيامين نتنياهو، يقدّم سلفه رئيس الوزراء الإسرائيلي الجديد نفتالي بينيت كبديل لنتنياهو ولنهجه اليميني الشوفيني والسياسي الصاخب. ومع ذلك، سيتطلب الأمر أكثر بقليل من “أحمر الشفاه” لجعل هذا معقولاً.

ويكثر القول عن بينيت وحزبه “يمينا”، ليس أقله أنه حزب سياسي عنصري بالتأكيد. وحصد مقاعده السبعة الهزيلة في الكنيست الإسرائيلي (البرلمان) من خلال المناشدات المستمرة لأكثر الفئات عنفاً وعنصرية في إسرائيل، والخطاب السياسي الشرير والهتاف المتكرر “الموت للعرب” بشكل يومي. وقلما يذكر بينيت دون الاستشهاد ببيانه سيئ السمعة الذي يعود للعام 2013 حيث أعلن: “لقد قتلت الكثير من العرب في حياتي وليس في ذلك أدنى مشكلة”. ومع ذلك، تفيض الجعبة السياسية للرجل بأكثر من هذا الإعلان البغيض. وبما أن القادة الإسرائيليين يصنفون الفلسطينيين إما في خانة الإرهابيين أو الإرهابيين المحتملين، ولا يرون شرعية في أي شكل من أشكال المقاومة الفلسطينية، قدم بينيت حلاً للتعامل مع مشكلة “الإرهاب الفلسطيني”.

واقترح بينيت بصفته وزيراً للتعليم في إسرائيل في العام 2015، إقامة جدار “للردع”، مطالباً “بوقف التحريض وقتل الإرهابيين بالرصاص قبل أن تتاح لهم الفرصة لإيذاء الأبرياء” (…) فلماذا تريدنا إدارة بايدن أن نصدق أن بينيت مختلف عن نتنياهو؟

بعد تنصيب رئيس الوزراء مباشرة، بادر الرئيس الأميركي بالاتصال ببينيت وتهنئته على منصبه الجديد قبل كل زعماء العالم. ويكتسب هذا الاتصال معنى رمزياً أعمق عند مقارنته بحقيقة أن بايدن انتظر ثلاثة أسابيع طويلة للاتصال بنتنياهو بعد تنصيبه كرئيس في كانون الثاني. وفي مقابلة مع موقع “أكسيوس” الإخباري الإلكتروني، شدد مساعد مقرب من رئيس الوزراء الإسرائيلي الجديد على طبيعة المحادثة الهاتفية الودية بين بايدن وبينيت. ونقل عن المصدر الإسرائيلي قوله إن “البيت الأبيض يرغب بإجراء مشاورات ومشاركة وثيقة ومنتظمة مع بينيت وفريقه على أساس تبادل وجهات النظر واحترام الخلافات والسعي من أجل الاستقرار والأمن”.

وعدا عن التركيز على الصراحة والاحترام المتبادلين في إطار العلاقة المستقبلية بين الولايات المتحدة وإسرائيل، انصب التركيز على الحاجة إلى الخصوصية في التعامل مع الاختلافات بين البلدين. وفي هذا السياق، ذكرت صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” أن حكومة بينيت أعلنت أنها ستعبر أمام واشنطن عن انتقاداتها بعيداً عن الأضواء. ويأتي ذلك بينما ناشدت الولايات المتحدة نتنياهو على مدى أشهر، لتخفيف حدة هجماته العلنية على واشنطن، ولكن دون جدوى.

الآن، بعد أن أصبح بينيت في موقع المسؤولية، من الواضح أنه مستعد لخوض اللعبة. ولمَ لا؟ فهو حريص على تقديم نفسه على أنه نقيض نتنياهو. وهو يتوقع، من خلال تقديم مثل هذا “التنازل”، بالتأكيد أن ترد واشنطن بالمثل. بالنسبة لبينيت، إنه فوز للجميع. فهو يفهم أن سياسة الولايات المتحدة تجاه إسرائيل لا تحددها مواقف القادة الإسرائيليين (…) وبالتالي، لا يتوقع أي تغيير لناحية التزام الولايات المتحدة بأمن إسرائيل. ويميل السياسيون الأمريكيون إلى بينيت وشريكه الرئيسي في الائتلاف يائير لابيد. وهم يبدون حرصاً على فتح صفحة جديدة والمضي قدماً بعد سنوات نتنياهو المضطربة.

وفي هذا السياق، يتوقع أن يزور بينيت الولايات المتحدة في شهر تموز، وقد تلقى لابيد بالفعل دعوة لزيارة واشنطن من قبل وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكين. في غضون ذلك، يفترض أن يتواجد وفد عسكري إسرائيلي كبير برئاسة رئيس أركان الجيش أفيف كوخافي بالفعل في الولايات المتحدة لمناقشة مواضيع مختلفة، بما في ذلك إيران و”حزب الله” و”التفاوض” على المزيد من الهدايا الأميركية لإسرائيل بصورة العتاد العسكري.

ولا يرتبط حرص الولايات المتحدة على إعادة تعريف علاقتها بإسرائيل، بأي تغيير في إسرائيل نفسها، بل بمعاناة واشنطن من الإذلال المتكرر على يد نتنياهو. فقد وجدت الولايات المتحدة نفسها خلال تواجده على رأس السلطة، في دائرة الإتهام في كثير من الأحيان بتهمة التقصير وعدم القيام بما يكفي لإسرائيل. لم توفر حتى حزمة المساعدات العسكرية السنوية التي قدمها أوباما والتي تبلغ 3.8 مليارات دولار أميركا من هجمات نتنياهو اللفظية المتكررة. ويبدو بايدن مستعداً لفعل كل ما يتطلبه الأمر لتجنب هذا السيناريو القذر.

وهكذا، يعتمد الرئيس الأميركي الجديد عقيدة بسيطة حول إسرائيل وفلسطين. فهو لا يريد تقديم التزام فعلي بإعادة إطلاق عملية السلام، على سبيل المثال، كما يريد تجنب الإحراج بدفعه لتقديم مطالب وممارسة “الضغط” على إسرائيل. وبالنظر إلى توقعات بايدن القليلة من إسرائيل، يستعد بينيت للعب دور السياسي المتكيف والمعقول. لا بل سيكون من الحماقة عدم القيام بذلك، لأنه لا يريد، بحسب ما تظهر “رؤيته” السياسية الخاصة، سوى إدارة الصراع وإطالة أمد الاحتلال مع الترويج، على غرار سلفه، لنسخته الخاصة من الفكرة الكاذبة لـ”السلام الاقتصادي “.

وفي الوقت الذي ينشغل فيه الأميركيون والإسرائيليون بالانخراط في الطقوس المألوفة التي تتمثل بالتجميل السياسي، يبقى الفلسطينيون وتطلعاتهم السياسية عرضة للتجاهل ويتأخر فجر حريتهم، بينما يبذل بايدن وبينيت الجهود لإخفاء الواقع الوحشي لدولة الاحتلال الاستعماري”.

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً