لبنان... بلد بـ"جمهوريات" كثيرة!

سياسة 27 نيسان , 2023 ـ 12:04 ص
        اخر تحديث قبل: شهر واحد
علم لبنان

 

يبدو أن لا نهاية لـ"العجائب اللبنانية" التي تظهر تباعاً، بحيث لا يكاد يمر يوم إلا ويطفو على سطح الحياة اليومية اللبنانية شيء خارج عن المألوف يدعو الى العجب والدهشة وعلى كل المستويات، السياسية والنقابية والقضائية فالمالية وحتى الأخلاقية.

قد يكون هذا شيئاً "طبيعياً" في بلد غير طبيعي، بدايةً برأسه "المفقود" وليس نهاية بالخراب الذي يعيشه، حتى بات يصح فيه إسم جمهورية "خرابستان" الكبرى، التي تتفرع منها جمهوريات أخرى لكل جمهورية منها إسمها ووظيفتها وحكَّامها ومحكوموها.

ففي السياسة نجد جمهورية "هروبستان" حيث هناك ما يشبه الهروب إلى الأمام من كل الاستحقاقات والملفات التي لها علاقة بمستقبل البلد، وهو ما يُترجَم بتأجيل تلو التأجيل لكل إستحقاق بدءاً بإنتخاب رئيس جديد للجمهورية، بحيث لا يزال الخلاف محتدماً حول "جنس" الرئيس السياسي، إذ يريده كل فريق من الفريقين المتخاصمين وهما هنا الثنائي الشيعي الذي له مرشحه المعلن، والذي كل مؤهلاته أنه "عين" السيد، و"حليف الأستاذ"، و"أخ بشار" من جهة، والثنائي الماروني المتفق على رفض خيار الثنائي الشيعي والمختلف على المرشح البديل المطروح، والذي كل مؤهلاته هو الآخر أنه من زغرتا - الزاوية، المنطقة التي ينتمي إليها المرشح الآخر ما يسمح بـ"زكزكته" سياسياً وداعميه لا أكثر، وذلك لمعرفة طارحي إسمه أنه لا يمكنه أن يطير بـ"جناح" مسيحي واحد.

ومن عجائب جمهورية "هروبستان" الأخرى، تأجيل الانتخابات البلدية بقرار من مجلس النواب الذي لم نعد نعرف ماهيته، أهو هيئة ناخبة فقط أم هو مجلس تشريعي عادي أم للضرورة؟ لأنه بات من الواضح أنه "متل ما بدو الفاخوري بيركِّب إذن الجرة"، وكم من فاخوري كبير وصغير في هذا المجلس والبلد يريدون إسترضاء بعضهم البعض على حساب الناس ومصالحها، وبعدها يتَّهِمون بعضهم بالكذب في مسرحيات باتت مملة وسمجة ومكشوفة، وما هذا إلا للهروب من الحقيقة الساطعة التي تقول بأنه من دون إصلاحات هيكلية وحقيقية في بنية الدولة اللبنانية، وكذلك الالتزام الصادق بأحكام الدستور وتطبيقها، لن يكون هناك من فرصة للبنان وشعبه للخروج الآمن من الأزمة المصيرية التي يعاني منها، فكل الاستحقاقات من رئاسية وبلدية وغيرها حتى لو تمت هي تمديد للأزمة، لا قيمة لها ولا فائدة منها، إذا لم يواكبها إصلاح حقيقي.

في عجائب القضاء والمحاماة التي يصح فيها تسمية جمهورية "قمعستان"، بتنا نرى أن النقابة التي يُعتبر جوهر وجودها الدفاع عن الحريات الخاصة والعامة، قد تحولت أو كادت إلى أداة قمع لأعضائها عبر طلب الإذن للكلام كما لو أنهم عادوا إلى مقاعد الدراسة الأولى، فكيف والحال هذه ستتصرف مع الناس العاديين الذين لا حول لهم ولا قوة إلا التعبير عن آرائهم؟ أما الأحكام القضائية العسكرية منها خصوصاً فحدث ولا حرج، هنا يبدو الحَوَل السياسي واضحاً للعميان وليس للعيان فقط، ومن سنوات خلت بدءاً بملف العملاء وإنتهاءً بملف الأحداث الأمنية المتتالية، بحيث بات قصر العدل بمثابة "حائط مبكى" للناس والناشطين أكثر منه ملجأ للمظلومين.

في جمهورية "فسادستان" المالية وهي أكبر جمهوريات "خرابستان"، ليس عجيباً ولا غريباً أن ترى مشتبهاً به بتهريب الأموال والاحتيال والتزوير والتبييض، وهو يُستقبل إستقبال الأبطال في المطار من قِبَل "زعيمه" ومريديه من مشايخ ومحازبين، في صورة تعكس مدى الدرك الذي وصل إليه بعض الناس في البلد.

وسط هذه الأزمات المصيرية التي تُطبِق على صدور المواطنين والوضع غير الطبيعي الذي يعيشه البلد، وجد البعض من الناس الوقت لإعلاء الصوت ضد مشهد سباحة لأطفال في بركة حديقة الشهيد سمير قصير، وهو مشهد قد لا يروق لكثيرين وقد يكون مزعجاً للبعض الآخر في بلد يعيش حياة طبيعية حيث لكل مقام مقال، وحيث النظام العام يُطبَّق على الجميع والأمور تسير بمسارها، ولسنا هنا في وارد تسفيه أي رأي أو مساندة آخر، إلا من حيث المبالغة في التعبير عن الاستياء أو التأييد على طريقة "يا غيرة الدين" من جهة، وطريقة "إللي بدو جنازة حتى يشبع فيها لطم" من جهة أخرى، ومن منطلق أن لا نتمسك بالنتائج ونشبعها شيطنة وتقريعاً، بينما نتجاهل الأسباب التي أفرزت هذه النماذج من الممارسات التي هي في النهاية ممارسات فردية لا تمس الوجود، وستظل تفرز كل يوم نماذج جديدة ما لم نعد بوطننا إلى الوضع الطبيعي كأي بلد من بلدان العالم، بلد يُحكم بالقانون، ويُساس بالأصول الدستورية بعيداً عن العنصرية والتعصب سواء للعرق أو اللون أو الدين أو الطبقة الاجتماعية، فالسمكة كما هو معروف تفسد من رأسها وليس من ذيلها، كذلك درج الفساد السياسي والمالي والأخلاقي يُشطف من فوق لتحت وليس العكس. المشكلة في لبنان هي أنه ليس هناك ومنذ زمن "لا شطف ولا من يشطفون"، وهذا ما حوَّله إلى "خرابستان" حتى إشعار آخر، وحتى ذلك الإشعار سيبقى بلداً بـ "جمهوريات" كثيرة لكل جمهورية إسمها ووظيفتها وحكَّامها ومحكوموها.

شارك الخبر

مواضيع ذات صلة:

Contact Us