طرابلس صامدة بوجه الكراهية… نهرا يتاجر بأزمة اللاجئين السوريين

إسراء ديب
إسراء ديب

لم يتفاعل الطرابلسيّون مع “العاصفة” التي هبّت على اللاجئين السوريين في لبنان وتصاعد المواقف السياسية والاجتماعية والبلدية المطالبة بعودتهم “قشة لفة” إلى سوريا أو إلى حضن النظام مجدداً من دون ضمانات أمنية من جهة، أو من دون الاكتراث بوضع العدد الكبير منهم إنسانياً، سياسياً وعسكرياً من جهة ثانية.

وحده محافظ طرابلس والشمال القاضي رمزي نهرا يُصدر أوامره وتعميماته الجديدة للاجئين والتي تقضي بتنظيم العمالة الأجنبية شمالاً، مع تنظيم حركة تجوّلهم في الباحات والأماكن العامّة وداخل أحياء البلدة من الساعة السادسة مساءً حتى الساعة الخامسة صباحاً وتسطير محاضر ضبط بحقّ المخالفين.

قد يرى البعض أنّ هذه الاجراءات ضرورية وهي القائمة على رغبة وزارة الداخلية أساساً في اتخاذ التدابير اللازمة أمنياً وعسكرياً لمنع أيّ “فلتان” يُهدّد أمن البلاد، في وقتٍ ترى فعاليات طرابلسية أنّها “إجراءات مخيفة وصادمة، ففي ظاهرها حماية الديمغرافيا اللبنانية والاستقرار المحلّي، وفي باطنها ومضمونها إثارة الفتنة بين اللبنانيين والسوريين لضرب الأمن، وهذا ما يرفضه أهالي المدينة بصورة قاطعة”.

وفق معطيات “لبنان الكبير”، فإنّ بلديات عدّة التزمت بتعميم نهرا كبلدية كفرحاتا الشمالية مثلاً والتي بدأت بتسطير محاضر الضبط ليلاً، فيما تلفت معطيات أخرى الى أنّ البلديات الشمالية ذات الغالبية المسيحية كانت أيّدت هذا القرار لأنها ترى أنّ اللاجئين باتوا قنبلة موقوتة تُؤذي اللبنانيين، فيما رفض أهالي المدينة عموماً الالتزام بقرارات نهرا لأسباب عدّة أبرزها يكمن في الاستغراب العام من تعميمه القاضي بضرورة الالتزام بالقوانين، في وقتٍ يؤكد فيه ناشطون أنّ نهرا “شخصياً لا يلتزم كمحافظ بالقوانين”، ووفق أحد الناشطين فإنّه “لم يلتزم أساساً بقرار مجلس شورى الدّولة رقم 46 تاريخ 6/12/2022، والذي قضى بوقف تنفيذ محضر انتخاب أحمد قمر الدين رئيساً لبلدية طرابلس بعد أن أصدر في تاريخ سابق قراراً بوقف تنفيذ قرار سحب الثقة من رئيس البلدية رياض يمق، وغيرها من الاجراءات التي ضرب القانون فيها شمالاً لينضمّ إلى سلسلة شخصيات تُحرّض على الكثير من اللاجئين وتتاجر بأزمتهم”.

في الواقع، لم تنفع المغريات القائمة على نشر بيانات أغدقت على مواقع التواصل الاجتماعي وعبر بعض التصريحات الرسمية، الطرابلسيين الذين أبدى معظمهم تعاطفاً كبيراً مع اللاجئين السوريين لا سيما المعارضون منهم للنظام الذي كان حرص لسنوات ومنذ سبعينيات القرن الماضي على فرض سيطرته ونفوذه على المدينة بلا رحمة أو شفقة، الأمر الذي ترجم بوضع لافتة على مدخل المدينة كتب عليها: “عند الله لا يوجد سوري لبناني أو فلسطيني، عند الله المسلم أخو المسلم… طرابلس تستقبل كلّ لاجئ هرب من بطش النظام ونقطة عالسطر”، وبعد الحديث مع إدارة صفحة “طرابلس عاصمة الشمال” التي علّقتها، أكّدت لنا أنّها تضامنت مع كلّ العاجزين منهم عن العودة إلى بلادهم خوفاً على حياتهم ومصيرهم.

يُمكن القول إنّ المجتمع الطرابلسيّ يُعامل اللاجئين السوريين على مبدأ التكافل والتضامن، فصحيح أنّ بعضهم يُطالب بترحيلهم نظراً الى الأزمة الاقتصادية التي أفلست معها البلاد ولتأكيده أنّ السوري يتلقّى أموالاً طائلة من المنظمات الدّولية التي تدافع عن بقائه وتمنع طرده (وفق ما يرى البعض)، فيما يعيش الطرابلسيون في أزمة قاهرة، لكنّ معظمهم يرفض بصورة قاطعة مغادرة اللاجئ السوري المعارض أو الهارب من بطش النظام سواءً بسبب تشابه الأسماء، التهرّب من الخدمة العسكرية، المشاركة في مظاهرات، أو أيّ سبب يُجبره على الهروب والبقاء في لبنان. وإذا كانت طرابلس استقبلت منذ اندلاع الثورة السورية الآلاف من السوريين لا سيما من أبناء حمص وإدلب، فإنّها ترفض زجّهم ضمن سجون النظام حتّى ولو وضعت ضمانات أمنية كما يُقال.

من هنا، يُؤكّد مرجع حقوقي طرابلسي يعيش في تركيا لـ “لبنان الكبير” أن ّ”هذه الحملات ضدّ السوريين ليست الأولى من نوعها لكنّها على ما يبدو أخذت ضوءاً أخضر من مرجعيات سياسية داخلية حرّكت هذا الملف من جديد، وإذا كان الطرابلسيون لم يتفاعلوا مع الحملات السابقة، فإنّهم لن يتفاعلوا بمعظمهم هذه المرّة أيضاً، وذلك لأمرين أساسيين: أولهما أنّهم لا يثقون بالقرارات السياسية للدّولة اللبنانية كما يرفضون أيّ اتصال وتواصل بينها وبين الدّولة السورية التي لا يعترفون بها بل بثوابت الثورة السورية التي آمنوا بها الى يومنا هذا، وثانيهما أنّهم يرفضون أيّ حملة بصبغة سياسية أو طائفية تسعى الى استبعاد السوريين أو بالأحرى المسلمين السنّة وتسليمهم الى النظام فيقتلهم أو يعتقلهم من دون رجعة”.

ويقول المرجع: “إذا اتجهت الحملة ضدّ هذه الفئات السورية فإنّ هذا الملف سيمرّ مرور الكرام، إذا كان صوّب فعلياً ضدّ اللاجئين الذين عادوا إلى سوريا ومنها إلى لبنان، أو الذين يُناصرون النظام السوري ومن الصعب جداً تحديدهم ومعرفتهم، لكنّ الطرابلسيين عموماً لم يطرد أحد منهم سابقاً المناصرين حتّى ولو عرفوهم، لكنّهم يطردون من يتعدّى ويتجاوز حدوده السياسية في مناطقهم فيكون مصيره الطرد والضرب وهذا ما شهدناه في الفترة الماضية”.

ويضيف: “الطرابلسيّون عموماً لن يقبلوا بالظلم، فلو ملأت قلوبهم العنصرية لما كانوا تقبّلوا وجود الفلسطينيين من دون الاشتباك معهم مثلاً، لكنّهم قد يقبلون عودة طوعية للاجئين من جهة، أو تعديلاً رسميّاً لمخطّط العودة لاعادة من يستحقّ العودة لا لسحق العائدين من جهة ثانية”.

سياسياً، لم يُصرّح كثيراً سياسيو الشمال لا سيما أهالي المدينة عن هذه القضية مباشرة وفضّلوا الصمت حالياً، إذْ تُؤكّد معطيات أنّ بعض السياسيين يتخوّف من الحديث عن هذا الملف نظراً الى حساسيته، وآخرون ينتظرون المستجدّات السياسية وبيان نية تنفيذية ضمن خطّة حكومية واضحة غير مرفوضة شمالاً.

ومن ضمن التصريحات التي نشرت (حتّى اللحظة)، ما قاله النائب أشرف ريفي عن أنّه “إذا كانت هناك جدّية في عودة اللاجئين السوريين، فيُمكن لحزب الله أن ينسحب من مناطق قارة والقصير ويبرود والقلمون”، مؤكّداً أنّ حسن النية مريح لكنّ غير ذلك “لن يكون إلّا حملة ترويجية وتهويلية، لإعطاء المرشح الرئاسي للممانعة وظيفة تطمين من دون أنْ يكون لها ترجمة حقيقية على أرض الواقع”، وتصريح النائب السابق مصباح الأحدب الذي قال: “لن نسمح بوضع أهلنا في صدام مع السوريين فوطننا لا يحتمل المغامرة بأمنه”. بيد أنّ بعض المراجع يتحدّث عن “خلفية سياسية مقلقة وسوء نية من الداخل والخارج لزجّ اللبنانيين في هذه الحرب، وأنّ الربط بين وجود حزب الله في سوريا وإخراج السوريين من لبنان صفقة مرفوضة إنسانياً كما سياسياً، إلّا إذا كان المقصود المناصرين للنظام في لبنان وطرابلس وهم كثر”.

من جهته، يُشدّد ناشط سوريّ شارك في الثورة السورية وهرب إلى طرابلس عام 2013 (رفض البوح باسمه)، على أنّ “محاولة التلطّي السياسية خلف قضية اللاجئين أو النازحين صفة عونية بامتياز تسعى إلى التنصل من المسؤوليات المترتبة عليهم سياسياً وإلصاق تهمة إهمالهم ملفات البلاد والعباد بأزمة السوريين، وهذا ما نرصده من خلال تصريحات المرجعيات العونية خصوصاً”.

شارك المقال