ما علاقة أسماء الأسد بالحملة على اللاجئين في لبنان؟ 

عاصم عبد الرحمن

بعيداً من لغة الأرقام والأحجام سواء ما يتعلق بأعداد اللاجئين السوريين المقيمين في لبنان أو بالخسائر المالية التي يتكبدها الاقتصاد والأهم الانعكاسات الاجتماعية التي تتهدد المجتمع اللبناني الذي يرزح تحت ركام انهيار شامل وغير مسبوق في التاريخ الحديث، هل تحل الأزمات اللبنانية والسورية بترحيل عشوائي وانفعالي لشعب هارب لجوءاً من بطش النظام السوري؟

ألهمت ثورة 14 آذار 2005 التي أعقبت اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري بعض الشعوب العربية التي أنشدت تغييراً اعتقدته ربيعاً سيزهر مستقبلاً آخر غير الذي تراءى أمامها بأعين الأنظمة التي حكمتها سنين طوال. تأخرت الثورة حتى أواخر العام 2010 لكن شرارتها انطلقت في تونس، أكملت طريقها نحو مصر، وصلت إلى ليبيا وحطت رحالها في اليمن، أُسقط زعماء هذه الدول كحصاد ثوري محتم، ولكن ما إن اشتهى السوريون إلقاء أنشودة التغيير التي تعالت في بعض الأرجاء العربية حتى أتاهم يقين استحالة تحقيق حلم سيحول مشروع محور الممانعة إلى كابوس انهيار مخططها القاضي بالسيطرة على المنطقة عبر البوابة السورية. سرعان ما قام النظام بعسكرة ثورة الياسمين بدءاً باقتلاع أظافر مجموعة من أطفال درعا “الارهابيين” الذين كتبوا شعارات حرياتية ربما لم يفقهوا معانيها، وحملوا أرغفة خبز إلى أناس حوصروا بأعتى أنواع القهر والقتل والتعذيب.

دخلت القوات الايرانية برفقة ميليشيات “حزب الله” اللبناني وألوية عراقية إلى الأراضي السورية في محاولة لزلزلة الأرض من تحت أقدام الثوار، مدعومة بالقوات الجوية الروسية التي أحرقت أنفاس الشعب السوري على وقع صمت أميركي مطبق ومستغرب، الأميركي نفسه الذي رفع الشرعية عن رؤساء الدول الأخرى وطالبهم بالرحيل، كيف لا ونسيب الرئيس السوري بشار الأسد، رامي مخلوف ربط الأمن السوري بالأمن الاسرائيلي وهو الغاية الأميركية الأولى فأُسقطت آمال الحالمين بفسحة تغيير تبلسم جراحات شعبين أبكاهما الأسد الأب والابن.

انتشر ملايين السوريين حول العالم لجوءاً، كان للبنان الحصة الأوفر نسبةً الى عدد سكانه ومساحة أرضه، احتضن ولا يزال الشعب اللبناني السوريين لا بل ذهب بعضهم أكثر فتزوج لبنانيون سوريين وأسسوا معهم العائلات.

اختلط حابل اللاجئين بنابل المجرمين والمدفوعين إلى تحقيق مشاريع تشبه بطرق تنفيذها ما ارتكبه نظام الأسد في لبنان مدة أكثر من 30 عاماً. وعلى وقع الانهيار المالي والاقتصادي الذي يعانيه لبنان مع ارتفاع معدلات البؤس والجريمة بأنواع عديدة أبرزها القتل والاغتصاب والسرقة وغيرها، تشكلَ رأي عام لبناني مناهض للوجود السوري في لبنان لما يخلفه من تأثيرات شديدة السلبية تتهدد الكيان اللبناني، فانطلقت بين ليلة وضحاها وبعد مرور 12 عاماً على الوجود السوري حملة قوية تطالب بحتمية ترحيل السوريين بغض النظر عن الأسباب والعوامل التي يفترض أنها تنظم عودتهم إلى بلادهم.

وفي هذا السياق، انقسم الشارع اللبناني بين 4 آراء حول الموقف من ترحيل اللاجئين السوريين:

– الرأي الأول يرى بحتمية ترحيل السوريين الذين أكلوا الأخضر واليابس في لبنان لا بل هم ليسوا شكورين للبلاد والعباد الذين احتضنوهم منذ البداية وهم يعيثون فساداً في كل مكان، يقبضون رواتبهم من المنظمات الدولية ثم يجولون ويصولون بين لبنان وسوريا بلا أي مشكلة مع النظام الذي يدعون الهروب منه.

– الرأي الثاني يرى بارتكاب خطيئة إعادة السوريين بصورة انفعالية وعشوائية، فهناك الهاربون من بطش النظام وعناصر لـ “حزب الله” والايرانيين الذين يحتلون بيوتهم وأراضيهم ولا بد من حل هذه المعضلة قبل التفكير بإجبارهم على العودة إلى مواجهة صراع البقاء، وهنا يشدد أصحاب هذا الرأي على ضرورة ترحيل “حزب الله” من سوريا ليسترجع السوريون ما سلبه منهم بقوة السلاح والترهيب.

– الرأي الثالث يرى بضرورة معالجة قضية اللجوء بعقلانية وهدوء وفق الأطر القانونية المحلية والدولية على أن يترافق ذلك مع الحل السياسي الذي يؤمل أن يتم التوصل إليه عبر التقارب السعودي – السوري وبضمانات عربية وإقليمية ودولية تؤمن العودة الآمنة للسوريين بعيداً عن الطائفية والعنصرية التي ينتهجها البعض لتحقيق مآرب أخرى لا تمت إلى حقيقة الموقف من النازحين بصلة.

– الرأي الرابع يرى بإلزامية ترحيل فئات معينة من اللاجئين وهم هؤلاء الذين احتشدوا أمام السفارة السورية وصوّتوا للرئيس بشار الأسد بالاضافة إلى المدانين بجرائم مختلفة والداخلين خلسة إلى لبنان، كذلك الآلاف من الذين يزورون سوريا بصورة يومية من دون أي عوائق قانونية أو سياسية مع النظام على أن يتم شطب أولئك الذين يتقاضون رواتبهم من منظمات الأمم المتحدة ثم يعودون إلى بلادهم.

وفي سياق متصل يقول ناشطان اجتماعيان وسياسيان لبناني وسوري يعملان في جمعيتين تابعتين للأمم المتحدة لـ “لبنان الكبير”: إن تفاقم الموقف اللبناني من الوجود السوري بهذا الشكل الفجائي مرده إلى ما تسرّب عما طلبته زوجة الرئيس السوري أسماء الأسد من المفوضية السامية لشؤون اللاجئين حول بيانات اللاجئين المتواجدين في لبنان، بالاضافة إلى تخفيض التغطية الصحية لهم من 75% إلى 50% ما يعني أن الحملة الموجهة ضد السوريين انطلقت شرارتها من الأراضي السورية ومن رأس النظام على وجه التحديد مدعومة من بعض القوى اللبنانية للافادة من قضية اللاجئين في مشاريع سياسية بالشراكة مع الأسد ما يثير الشكوك حول صدقية هذا النظام في التقارب السوري – العربي الجاري حالياً.

تتعدد الآراء والخطوة واحدة لا بد من أن يعود السوريون إلى ديارهم مهما طالت الحرب واستفحلت الأزمات لكن وفق حل سياسي يضمن عودة آمنة وكريمة بعيداً عن الانفعال والعنصرية لهدف وحيد يسمو فوق كل اعتبار وهو إسقاط مؤامرة يعتقد البعض أنها تهدف إلى تغيير وجه سوريا التعددي عبر تغيير ديموغرافيته لخلق دويلات طائفية متصارعة خدمةً لغوغائية الكيان الاسرائيلي. فهل من معتبر؟

شارك المقال