الانهيار بأبشع صوره!

رامي الريّس

مع إصرار معظم مكونات المجتمع الدولي، لا سيّما الدول المعنيّة بالشأن اللبناني، أن لا عوائق خارجيّة تحول دون تأليف الحكومة، وحتى ولو كان في هذه التصاريح القليل من السطحيّة؛ إلا أن ذلك يؤكد مرّة جديدة أن المسؤوليّة تقع أولاً وأخيراً على القوى القابضة على السلطة والتي تتربع في المؤسسات الدستوريّة وتملك صلاحيّة الحل والربط في عمليّة تأليف الحكومة.
من هنا، كم يبدو استحضار قضيّة الصلاحيّات باهتاً وخارجاً عن الزمن واستحقاقاته الداهمة من كل حدب وصوب مع وقوع الانهيار الحتمي والمتتالي في كل القطاعات دون استثناء واتجاه لبنان تدريجيّاً نحو التصنيف كدولة فاشلة في كل المقاييس، وهذا يعني عمليّاً إسقاط القدرة الرسميّة اللبنانيّة على إعادة تفعيل إمكانياتها الخارجيّة خصوصاً لناحية نيل الثقة في التمويل والحصول على القروض الضروريّة للخروج من المأزق الراهن.
بمعنى آخر، سوف تتردّى الخدمات العامة ترديّاً إضافيّاً، ومع مرور الوقت، سوف تتآكل البنى التحتيّة الأساسيّة التي ستغيب عنها الصيانة الضروريّة لعدم توفر التمويل. هذا يعني غياب القدرة على إصلاح حفرة في طريق أو تغيير الاضاءة في الشوارع العامة أو حتى جمع وكنس النفايات. وبطبيعة الحال، ستتوقف كل المشاريع الانمائيّة الجديدة لغياب التمويل وتدهور العملة المحليّة إزاء سعر صرف الدولار الأميركي وعدم حماسة الجهات الدوليّة، وحتى العربيّة، المانحة على تمويل تلك المشاريع.
وبموازاة كل هذا التراجع الخدماتي، ستتواصل ظاهرة الهجرة الكثيفة للأدمغة والكفاءات وحتى لليد العاملة الماهرة وهي قد إتخذت مسارات خطيرة في الأشهر الأخيرة لناحية حجمها وكثافتها وسرعة مغادرتها لبنان تاركة خلفها فراغات مهنيّة هائلة في مؤسسات صغرى وكبرى لن تتمكن من تقديم خدماتها بالقدرة والجودة السابقة ذاتها، مع كل ما يعنيه ذلك من إنعكاس على المجتمع ومستقبله وفقدانه لمقومات استمراره وليس فقط تطوره الذي صار بعيد المنال.
إذن، لبنان أمام حالة تحلل وتلاشي تدريجي على المستويين الاقتصادي والاجتماعي. وهذا التحلل يصيب مختلف قطاعات المجتمع دون استثناء ويُسقط الأنظمة والقواعد والعادات السائدة ويفسح المجال أمام استبدالها بقيم جديدة بعيدة كل البعد، إن لم تكن على طرفي نقيض، مع الموروثات القديمة في التآخي والتضامن الاجتماعي لتُستبدل رويداً رويداً بالأنانيّة والذاتيّة والتقوقع والانغلاق.
المأزق صار مأزقاً وجوديّاً بكل معنى الكلمة. القضيّة تخطّت التفاصيل السطحيّة التي تطفو على الحياة السياسيّة اللبنانيّة منذ عقود وتتصل أساساً بالمواقع والنفوذ والحصص والصلاحيّات والأدوار والطموحات والحسابات المصلحيّة والفئويّة والشخصيّة. المأزق أعمق من ذلك بكثير، والعلاجات المطلوبة له يُفترض أن تكون على مستوى المشكلة وذلك من خلال الارتقاء في الأداء السياسي وتحمّل المسؤوليّة في هذا المنعطف التاريخي الكبير.
من الضروري الاتجاه مباشرة إلى إيجاد الحلول الكفيلة بإخراج الوضع من عنق الزجاجة، وفتح الباب أمام إستعادة الثقة تدريجيّاً بالبلاد، محليّاً وعربيّاً ودوليّاً. والا، فالاستمرار في النزول إلى القعر الذي لا نهاية له.

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً