القتال يحتدم في السودان وعين موسكو على الحكم الاستبدادي

حسناء بو حرفوش

حذر وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن نهاية نيسان/أبريل الماضي، من أنشطة مرتزقة مجموعة “فاغنر” الروسية في السودان، مؤكداً أن الشركة العسكرية الروسية الخاصة “تعيث دماراً أينما حلّت”… وجاء هذا التحذير عقب كشف مسؤولين سودانيين وأميركيين عن قيام مجموعة “فاغنر” بتقديم مساعدة لقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان “حميدتي” دقلو.

المحلل السياسي وأستاذ السياسة والعلاقات الدولية في جامعة أكسفورد صمويل راماني، خصص قراءة للموقف الروسي في موقع معهد الشرق الأوسط الالكتروني. وجاء في مقاله: “على الرغم من وجود أدلة متزايدة على الدعم السري لشركة فاغنر لحميدتي، يبدو نهج روسيا تجاه الصراع داخل الجيش في السودان أكثر دقة مما قد يخيل للمتابع. فالهدف الأساس لروسيا ليس انتصار طرف دون الآخر في الحرب الأهلية، بل بالأحرى إحباط الانتقال الديموقراطي في السودان، حيث أن استمرار الحكم الاستبدادي يسهل استفادة موسكو من مناجم الذهب السودانية وبناء قاعدة بحرية روسية على البحر الأحمر في بورتسودان. ومن المرجح أن تشجع هذه الأهداف موسكو على تجنب التحالف الصعب مع حميدتي والحفاظ على علاقات مواتية مع منافسه الرئيس، الفريق عبد الفتاح البرهان، قائد القوات المسلحة السودانية.

ومنذ اندلاع الصراع بين البرهان وحميدتي في 15 نيسان/أبريل، خصصت روسيا حملة دعائية مضادة لعملية الانتقال الديموقراطي في السودان. وزعمت نائبة الممثل الدائم لروسيا لدى الأمم المتحدة، آنا إيفستينييفا في بيان صدر في 25 نيسان/أبريل، أن “القوى الخارجية حاولت فرض نقل السلطة إلى السلطات المدنية بصورة مصطنعة” وجادلت بأن إطار الانتقال الحكومي الديموقراطي في كانون الثاني/ديسمبر 2022 لم يكن شاملاً بما فيه الكفاية. وصاغت إيفستينييفا محاولات الانتقال في السودان كعامل محفز للصراع بين البرهان وحميدتي، كما انتقدت الجهود المبذولة لربط المساعدة الدولية بعملية الانتقال المدنية.

وفي حين أن نفور روسيا من التحول الديموقراطي في السودان يعكس استجاباتها السابقة للربيع العربي 2011 و2013 – 2014 ثورة الميدان الأوروبية في أوكرانيا، فإنه يؤكد أيضاً على أن الاستبداد عامل تمكين ضروري للمصالح الروسية في السودان. وربط التواطؤ الروسي مع القيادة العسكرية السودانية، بـ 16 رحلة لتهريب الذهب من مطار الخرطوم الدولي إلى روسيا في 2021 – 2022 ويُزعم أن هذا الذهب المهرب قد زوّد الكرملين بعملة صعبة حيوية للعمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا. وعلى الرغم من أن السلطات العسكرية السودانية اتهمت مواطناً روسياً بتهمة تهريب الذهب، إلا أنها سمحت باستئناف معالجة الذهب في منشأة رئيسة مرتبطة بفاغنر وأسقطت التحقيقات ضد موظفين آخرين.

كما تفسر طموحات قاعدة بورتسودان البحرية الروسية دعمها للقيادة العسكرية السودانية. وبينما يحتاج اتفاق بناء القاعدة الى موافقة البرلمان السوداني حتى يدخل حيز التنفيذ، فإنه يحظى بتأييد واسع من الضباط العسكريين في السودان. في آذار/مارس 2022 ، صرح حميدتي بالمثل أنه يجب على السودان النظر في اتفاقية قاعدة بحرية مع روسيا إذا لم تهدد أمنها القومي. ونظراً الى أن خطط بناء القواعد الروسية أثارت رد فعل عنيف من الأطراف المحلية ومن الولايات المتحدة، قد تصطدم طموحاتها بأي حكومة سودانية مدنية موالية للغرب.

روسيا ليست متحالفة بصورة صارمة مع البرهان أو حميدتي في النزاع المسلح الحالي. وهذا الموقف غير المنحاز ينعكس في تعليقات الخبراء. ومع ذلك، يؤكد خبير معهد الدراسات الأفريقية، سيرغي كوستليانيتس، أن أياً من البرهان أو حميدتي لن يقدما بسرعة مشروع قاعدة بورتسودان في حال النصر، لأنهما يرغبان في تجنب استعداء الغرب. وفي الوقت نفسه، لا يصب الصراع المطول في السودان في مصلحة روسيا لأن أي زعزعة للاستقرار العسكري – السياسي تمثل تهديداً لاتفاقات حساسة مثل الاتفاقات بشأن إنشاء قواعد أجنبية. ومن شأن استمرار عدم الاستقرار أن يؤدي الى تفاقم العنف وإعاقة تهريب الذهب على طول الطرق بين السودان وجمهورية أفريقيا الوسطى، مما يستلزم المزيد من التدخلات من مرتزقة فاغنر.

ومع استمرار اندلاع الحرب الأهلية، من غير المرجح أن تقدم روسيا دعماً واسع النطاق لحميدتي، علاوة على ذلك، هناك عدم ثقة مؤسسي كبير به داخل الكرملين. لذلك، مع استمرار الصراع في السودان، من المحتمل أن تحاول روسيا عرض نفسها على أنها داعم للحل الديبلوماسي في منطقة البحر الأحمر. كما قد يؤدي عدم الاستقرار الذي طال أمده في السودان إلى تعميق روسيا لشراكتها الأمنية مع إريتريا المجاورة. وعلى الرغم من أن روسيا تمتلك مصالح راسخة في الصراع بين البرهان وحميدتي، من غير المرجح أن تسعى بنشاط الى استراتيجية شاملة لزعزعة الاستقرار في السودان. بدلاً من ذلك، قد توازن العلاقات الوثيقة مع كلا الطرفين المتحاربين لصالح إعاقة الانتقال الديموقراطي بصورة نشطة في السودان. وبغضّ النظر عن الطرف الفائز في نهاية المطاف، ستبقى روسيا في وضع جيد يسمح لها بالتأثير في السودان وبوضع عصي في دواليب الاستراتيجية الأميركية الخاصة بأمن البحر الأحمر”.

شارك المقال