محللون سياسيون أم أبواق؟ … الغربلة ضرورية

محمد شمس الدين

يشتهر لبنان بأزماته وانقساماته وأنتجت الخلافات بين مكوناته نموذجاً في الإعلام سمي بالمحلل السياسي، البعض من المحللين أصبح ينافس نجوم الفن بالشهرة والنجومية، وصار يمتلك قاعدة جماهيرية من معجبين ينتظرون بشغف ليسمعوا تحليلات عن الوضع في البلد، وقد برز في منتصف الشهر الفائت مرسوم علم وخبر بتأسيس جمعية تحت إسم الرابطة الدولية للخبراء والمحللين السياسيين، فمن هو المحلل السياسي؟ وهل كل هؤلاء المشاهير الملقبين بهذه الصفة هم فعلاً محللون سياسيون؟

المعلق السياسي هو الأدق

بالنسبة إلى الصحافي غسان جواد، فإنَّ مصطلح المحلل السياسي هو توصيف وتعريف شائع، ولكن ليس هناك شيء محدد لهذا المصطلح، والأدق بحسب جواد “هو المعلق السياسي وليس المحلل، وهو قد يكون صحافياً أو أكاديمياً لديه خبرات واسعة في الصحافة السياسية ولديه ثقافة سياسية تتيح له أن يعلق على الأحداث ويحاول تحليل مسارات الأمور والخروج باستنتاجات، وهذا الأمر لا يمكن أن يصل إليه الشخص إلا بعد تجربة طويلة من العمل الصحافي ومن الثقافة السياسية وفهم المعطيات السياسية، وهنا تصبح المسألة أشبه بعملية رياضية، ويكون لديه الخبرة الكافية ليعلق على الأحداث بطريقة تؤدي إلى تركيب الأحجية أو إعادة تركيبها بشكل يوضح للمتلقي حقيقة الموقف السياسي الذي يجري تحليله”.

الأغلبية منتحلو صفة

اعتبر الصحافي طوني أبي نجم أنَّ “تعريف المحلل السياسي من الأمور الصعبة، هناك أغلبية منتحلو صفة، لأنَّ الذي يجب أن يحلل بالسياسة يجب أن يكون أقله لديه شهادة بالصحافة أو بالعلوم السياسية، المحلل السياسي يجب أن يكون قارئاً بكثرة لكتب ومراجع ومتابع للتطورات، ويربط الأحداث بناءً لتجاربه ومتابعاته لفتراتٍ طويلة والتجارب والشواهد التاريخية، ويخرج باستنتاجات وخلاصات، هنا يستحق صفة المحلل السياسي، لا أنَّ يكون بوقاً لبعض الأطراف السياسية أو الأجهزة الأمنية يقولون له سرب هذه المعلومة أو أخبر هذا الموضوع، ويعتبر نفسه يحلل بالسياسة، هؤلاء هدفهم خلق بلبلة أو الضغط على فريق سياسي معين”.

أما عن العلم والخبر بتأسيس الرابطة الدولية للخبراء والمحللين السياسيين، فعلق أبي نجم “بأنها تستحق لقب نكتة الموسم، ويجب أن ننظر مَن خلفها علماً أنَّ مقرها يدل على أصحابها، وشبهها بتجمع المواقع الإلكترونية التي اخترعها رئيس المجلس الوطني للاعلام المنتهية صلاحيته عبد الهادي محفوظ”.

الإنتاج الفكري هو الأساس

من جهته، اعتبر الباحث والكاتب السياسي مكرم رباح أنَّ “المحلل السياسي هو مثل أي مهنة يجب أن تستند إلى معايير وأخلاقيات معينة، والمشكلة اليوم حسب ما يقول رباح أنَّ أي شخص يريد أن يدافع عن فكرة يأخذ صفة المحلل السياسي، بينما فعلياً التحليل السياسي أو التعليق بشكل عام يجب أن يكون صاحبه شفافاً ويستند إلى حقائق علمية ويجب أن يخفي أفكاره الشخصية، إنما للأسف في الإطار اللبناني يكون المحلل السياسي مرات كثيرة هو مجرد بوق”.

ويسخر رباح من فكرة الرابطة الدولية للمحللين السياسيين، “لأنَّ الشخص ليس بحاجة إلى جمعية كي يكون لديه مصداقية، إنما مصداقيته هي بمساهماته وإنتاجه الفكري”، ويرى أنَّ عدداً كبيراً من المحللين السياسيين الذين يخرجون أمام الجمهور “لا يتعاطون الكتابة أو التحليل، هم مجرد ناسٍ يطمحون للوصول إلى مراكز سياسية، لم نر منهم مقالاً صحافياً أو تحليلياً”. ويؤكد أنّه “ليس كل صحافي بالضرورة أن يكون محللاً سياسياً”.

تحليل مميز واتكال على المعلومة الصحيحة

أمَّا المحامي والمحلل السياسي جوزيف أبو فاضل، فاعتبر أنَّ “المحلل السياسي يجب أن يتمتع بأخلاق عالية وثقافة كبيرة وعليه أن يثابر على متابعة الأخبار والمواقف ويكون عنده حس تحليل التطورات بالمناطق المحيطة بالبلد الذي ينتمي إليه، ومن الضرورة أن تكون عيونه متجهة دوماً إلى الدول العظمى أصحاب القرار، كي يستطيع أن يجري التقاطع والربط ويقدم للجمهور زبدة ما توصل إليه من استنتاجات وتحليلات”، مضيفأ أنّه “لا يوجد محلل سياسي في الكرة الأرضية لا يضع ولو أقله 1% من رأيه الشخصي في التحليل”.

وأكدَّ أبو فاضل أنّه على الصعيد الشخصي لا تعنيه المهنية، وإنَّ كل شخصٍ لديه سياسته وقناعته وانتماؤه وهو حرٌ بها، وعندما يقوم بممارسة هذه الحرية، يتم اتهامه من قبل أخصامه السياسيين بأنه بوق، وهي اتهامات تأتي من خلفية الاختلاف السياسي وأحياناً الحسد والغيرة، وهي اليوم فوضوية بواقع مواقع التواصل الاجتماعي.

ويضيف أبو فاضل أنَّ “المحلل السياسي لا يجب أن يهتم بكل الاتهامات التي تساق ضده بل يجب أن يثابر على عمله ونضاله بالتحليل السياسي المميز، الذي يتكل على المعلومة الصحيحة التي يحصل عليها من مصدرها نظراً للثقة العالية التي يحظى بها عند المصدر”.

إذاً المحلل السياسي بشكلٍ عام ليس أمرٌا سيئاً، بل إذا كان من يعلق على التطورات السياسية يبنيها على منهجية علمية بعرض الحقائق والتطورات ويربطها بالشواهد التاريخية، يكون يفيد الجمهور وينمي ثقافته السياسية، أما عن أولئك المتلطين تحت صفة المحللين السياسيين بينما هم في الحقيقة أبواق مدفوشون من أطراف وأجهزة للضغط وحتى أحياناً شتم الخصوم، يجب على الجمهور أن يستطيع غربلتهم ووضعهم في خانة الكوميديا، ويجب أن يتعرف على “المحلل” وخلفيته وماذا قدم انتاجاً فكرياً، علماً أنّه من الأفضل محاربة هذه الظاهرة، ويقوم الإعلام بمقاطعتهم كون لبنان لا يحمل ازدياد الانقسامات بسبب أبواق لا تفقه بالسياسة شيئاً.

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً