أولوية نصر الله صيانة تحالفاته المتناقضة على تشكيل الحكومة

وليد شقير
وليد شقير

لم يؤشر كلام الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله مساء الجمعة إلى أن الحكومة قريبة نتيجة المسعى الجديد الذي قرر القيام به بالاستجابة لنداء رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل إليه واستعانته به كصديق.

وعلى الأرجح أنه أراد كما قالها بوضوح، عدم تيئيس الناس، وملء الفراغ القاتل ببعض الأمل، نفياً للتهمة التي رد عليها بتوسع، بأن الحزب وراء تعطيل الحكومة لأسباب خارجية، فوعد ببذل “أقصى الجهد”، لكن المعطيات لا تشير إلى إمكان حصول تقدم جوهري.

وفي وقت رأى بعض المراقبين في اقتراح الأمين العام للحزب تشكيل لجنة من القوى السياسية التي شاركت في الحكومات السابقة والمسؤولة عما وصلت إليه الأوضاع المعيشية لتتخذ القرارات غير الشعبية في ترشيد الدعم، على أنه دليل على أن ولادة الحكومة غير قريبة، فذهب إلى استبدال اتخاذ القرارات في هذه اللجنة بالحكومة، اعتبرت مصادر سياسية مطلعة أن لا ضرورة لربط هاتين المسألتين. ورأت هذه الدعوة مجرد رد، لا يرقى إلى حجم الأزمة، على اتهام الحزب بأنه يعجز رغم اعتداده بقوته وإمكاناته، عن إيجاد حلول حتى للذين يمثلهم في طائفته. فلا حاجة لهذه اللجنة أساساً طالما أن الفرقاء كافة الذين شاركوا في الحكومات السابقة، بمن فيهم الذين استقالوا، موجودون في البرلمان ولجانه المشتركة التي تناقش ترشيد الدعم أو رفعه.

استغرق أكثر من نصف خطاب نصر الله الذي دام أكثر من 80 دقيقة، في  الحديث تلميحاً وتصريحاً عن العلاقة مع “التيار الحر” وفي تفنيد انتقادات قيادته للحزب بالانحياز لرئيس البرلمان نبيه بري، أو للرئيس المكلف سعد الحريري، فاستخدم في تفسيراته لاستعانة باسيل به كصديق، الكثير من التوريات واللغة الديبلوماسية، والكلام الهادف إلى تهدئة خواطر الحليف بتبرير استعانته به.  وفي المقابل قطع الطريق على أي مغالاة في المونة عليه ومطالبته بالانحياز إلى الفريق الرئاسي ضد الحليف الأساسي بري، مشدداً على أن مبادرة الأخير مستمرة. وما رفضه مهمة الحَكَم التي أرادها منه باسيل سوى تأكيد بأنه لا يستطيع أن يكون حيادياً بينه وبين بري وأنه منحاز إلى الأخير مذكراً رئيس “التيار الحر” بأنه سبق أن أبلغه بأن لا مجال لافتراقه عن بري لمصلحة تحالفه مع “التيار الحر”.

وإذا كان من الطبيعي أن يخاطب نصر الله جمهوره المأزوم مثل سائر اللبنانيين جراء التدهور اليومي للأحوال المعيشية، أبدى توجسه من أن تؤدي الإشكالات الناجمة عن هذا التدهور إلى احتكاكات أمنية، واستعاد فكرة استيراد المحروقات من إيران موحيأً بأنها قاب قوسين من أن تتحقق، لولا قرار تغطية الدولة الاستدانة من مصرف لبنان لاستيرادها على سعر صرف الدولار بـ3900 ليرة لبنانية. وإعلانه أن البلد ذاهب إلى رفع الدعم يغني أساساً عن الخيار الإيراني الذي يأتي في سياق تحدي منتقديه بأن  سياسته وتحالفاته وخياراته الإقليمية وراء الأزمة التي وقع فيها لبنان. بل إن نصر الله، حين طالب خصومه بأن يستحضروا المساعدات من حلفائهم في أميركا وأوروبا ودول الخليج، تجاوز أن حزبه السبب الذي وضع البلد في حالة قطيعة مع الدول الخليجية، فضلاً عن أنه قفز فوق وقائع المساعدات التي تتلقاها مؤسسات كثيرة سواء كانت رسمية مثل الجيش والقوى الأمنية، أو المؤسسات الطبية والاستشفائية ومنظمات المجتمع المدني، من معظم هذه الدول، لتفادي تمريرها عبر السلطة السياسية نظراً إلى فسادها، وتجنباً لاستفادة الحزب منها.

لكن تبشيره بقرب نهاية الدعم على استيراد المحروقات وبعض المواد الأخرى شكل بالنسبة إلى بعض الأوساط السياسية اعترافاً غير مباشر من قبله بأن استمرار تهريب المحروقات وبعض المواد الطبية والغذائية إلى سوريا اقترب من أن يتوقف، لأن هذا التهريب يتم تحت أعين الحزب وبتشجيع منه أحياناً، من أجل إعانة حليفه النظام السوري على مواجهة أزمته الخانقة، في مناطق سيطرته، ولمصلحة قوات الحزب المتواجدة على الأرض السورية، جراء فقدان العملة الصعبة والحصار الذي تفرضه العقوبات الأميركية والأوروبية على النظام.

مع إعلانه أنه سيطرح أفكاراً جديدة في شأن الحكومة، وأنه سيكمل النقاش مع الرئيس بري، اهتم نصر الله بتبرئة باسيل من التهم التي وجهها إليه خصومه من حزب “القوات اللبنانية” إلى حزب “الكتائب” والنائب السابق فارس سعيد… نافياً أن يكون ائتمنه على حقوق المسيحيين وسلم أمرهم له. بدا أنه يساعد باسيل في طائفته وبيئته قبل أن يساعده على إيجاد مخرج لأزمة تشكيل الحكومة. وفي المقابل رفض الاتهامات التي وجهها قياديون في “التيار الحر” لـ”حزب الله” بأنه يقف على الحياد، مذكراً إياهم بلباقة، بمحطات وقوفه إلى جانبهم، وبأنه لا مجال للإيقاع بين الحزب وبين بري، ومنبهاً بأن الأولوية هي للتحالف الشيعي. ومع أن نصر الله ذكر باسيل بمحدودية حجمه مقارنة مع البعد الإقليمي للحزب واهتماماته ودوره، وبالتالي اختلاف مقاييس “ما يرضاه لنفسه” مقارنة مع ما يرضي باسيل، لا بديل لدى “حزب الله” من استمرار تحالفه مع “التيار الحر” في الساحة  المسيحية. فالقوى المسيحية الأخرى وفي مقدمها حزب “القوات” لا تترك  مناسبة إلا وتهاجمه وتحمّله مسؤولية الانهيار الذي أصاب البلد.

يغلب الاعتقاد بأن نصر الله أراد معالجة العلاقات مع حلفائه وترتيبها وصيانتها، في سياق محاولته رفد الرئيس بري بدعم جديد لمبادرته، لتخفيف الأضرار التي أصابتها، سواء بين جمهور “التيار الحر” وبين جمهوره على مواقع التواصل الاجتماعي، أو بين جمهوره وجمهور حركة “أمل” الذي يتأفف من أن هجوم رئيس الجمهورية العماد ميشال عون على دور بري وإعلانه سقوط دوره كوسيط لم يلقَ رداً من الحزب.

فقد سبق كلمته الجمعة اجتماع تنسيقي بين المسؤولين عن التواصل الاجتماعي في حزب الله وحركة “أمل”، صدر عنه بيان أكد على “توجيهات بري ونصرالله، بأن المرحلة الصعبة التي يمر بها بلدنا تتطلب المزيد من الحرص والوعي وحماية لظهر المقاومة التي تجمعنا وفي الوقت الذي يسعى فيه الأعداء أو المصطادون في الماء العكر لنشر الفتن وكسر وحدتنا”. وتمنى المجتمعون على جميع الناشطين من جمهور المقاومة في الحركة والحزب على مواقع التواصل الاجتماعي الالتزام بأعلى درجات الانضباط والتحلي بروح الأخوّة ونبذ التفرقة والتعاون لما فيه مصلحة “الثنائي الوطني.”

كما اجتمع مسؤولو الإعلام في “التيار الوطني الحر” و”حزب الله”، مع مديري الأخبار في الوسائل الإعلامية والمسؤولين عن التواصل الاجتماعي لدى الطرفين، صدر عنه بيان أكد “تعزيز التنسيق والتعاون الاعلامي في ظل كم الإشاعات التي تطاول العلاقة بين ثنائي تفاهم مار مخايل”، واصفاً إياها بأنها “مغرضة ومعروفة الأهداف”.

وشدد الطرفان على “ضرورة التزام المحازبين والمؤيدين على وسائل التواصل الاجتماعي أعلى معايير الانضباط والتحلي بروحية التفاهم والعلاقة الوطيدة بين الطرفين”.

البيانان وحدهما يفسران خلفية اعتماد نصر الله لغة التهدئة في ظل الإحراج الذي يواجهه جراء عجز التركيبة التي يرعاها عن إيجاد الحلول للتدهور المعيشي، وعن تأليف حكومة تدير الأزمة.

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً