متى ينزل أصحاب الرؤوس الحامية عن الشجرة؟

صلاح تقي الدين

بات واضحاً أن الفرقاء السياسيين في الداخل قد أصبحوا أسرى مواقفهم وسقوفهم العالية التي وضعوها قبل انتهاء العهد القوي وبعده في ما يتعلق بانتخابات الرئاسة، وأصبح من الضروري أن ينزلوا عن الشجرة التي صعدوا إليها ويلجأوا إلى الحوار الجدي بهدف التفاهم والوصول إلى توافق حول اسم مرشح لا يشكّل “تحدياً” لأي منهم وأن يبدأ عهده بمسيرة إصلاح حقيقية تنتشل لبنان من قعر جهنم التي أوصلنا إليها العهد السابق.

لقد وضع الفريق السيادي المعارض لهيمنة “حزب الله” على الساحة الداخلية مواصفات يعتبرها ثابتة وأساسية تتعلق بشخصية الرئيس الذي يجب أن يصل إلى بعبدا ليبدأ مرحلة انتشال لبنان من أزماته التي كان السبب الرئيس لمعاناة اللبنانيين منها سياسة المحاور التي أدخل الدولة إليها.

واجتمعت مواصفات السياديين في شخص النائب ميشال معوض نجل شهيد اتفاق الطائف الرئيس الراحل رينيه معوض، وتمكن هذا الفريق تباعاً خلال 11 جلسة انتخابية دعا إليها رئيس مجلس النواب نبيه بري من حشد عدد من الأصوات لم يصل إلى الحد الذي يسمح له بأن يكون مرشحاً “جدياً” قادراً على الفوز بالمنصب الأول في الجمهورية، لكن هذه الأصوات بدأت بالتراجع شيئاً فشيئاً نتيجة انقسام فريق ما يسمّى بـ “التغييريين” وعدم اتفاقهم ككتلة نيابية موحدة على اسم معوض، فأدخل اللعبة الانتخابية في بازار أسماء من هنا وهناك ما ولّد استياء بدأ مع معوض نفسه وصولاً إلى الفرقاء الرئيسيين الداعمين له وهم “القوات اللبنانية” والحزب “التقدمي الاشتراكي” وحزب “الكتائب”.

في المقابل، كان فريق الممانعة الممثل بالثنائي الشيعي وحلفائه يناور باستخدام الأوراق البيض في عمليات الاقتراع، ومن ثم بتطيير النصاب في الجلسة الثانية لأنه كان ومنذ البداية يضمر نية في إيصال رئيس تيار “المردة” الوزير السابق سليمان فرنجية إلى بعبدا، غير أنه كان ينتظر اللحظة المناسبة لاعلان ترشيحه رسمياً إلى الرئاسة، وبعدما وجد هذه الفرصة في الانحياز الفرنسي الواضح نحو تزكية فرنجية، سبق بري الجميع وأعلن تبنيه من دون أن يعلم “حزب الله” بهذه النية، ما دفع الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله الى تبني ترشيح فرنجية لاحقاً من خلال خطاب متلفز كالعادة.

ولم يقبل رئيس “القوات اللبنانية” سمير جعجع بتلبية دعوة بري إلى الحوار للتوصل إلى اتفاق حول الرئاسة وانتخاباتها، بحجة أن بري ومن خلفه “حزب الله” دعا إلى الحوار لكي يقنع السياديين بفرنجية كمرشح وحيد، فحاول جنبلاط من جهته دفع الفرقاء إلى الحوار مقترحاً ثلاثة أسماء يعتبرها غير استفزازية ولا تشكل تحدياً لـ “حزب الله” تحديداً وهم الوزير السابق جهاد أزعور والنائب السابق صلاح حنين وقائد الجيش العماد جوزيف عون، لكن مبادرته التي سعى من خلالها إلى إحداث خرق في جدار الأزمة لم تلقَ الصدى الايجابي الذي كان يتوقعه، فقام بجولة خارجية علّه يتلمس حقيقة المواقف الدولية من الانتخابات الرئاسية فعاد بخفي حنين ما دفعه إلى تجميد مبادرته مفضلاً الانتظار ومحيلاً الأمر على “أصحاب القرار” كما سمّاهم وهم رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل وسمير جعجع و”حزب الله”، في إشارة إلى أنهم أسرى المواقف العالية التي أعلنوها وعليهم التنازل لكي يصار إلى التوصل إلى اتفاق ينهي أزمة الانتخابات الرئاسية.

الا أن تطوراً “تاريخياً” حصل عندما تم في العاصمة الصينية بكين توقيع اتفاقية بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الاسلامية في إيران، لحل المشكلات التي كانت سبباً في تردي العلاقات بينهما من اليمن إلى العراق فسوريا ولبنان، لكن البند الرئيس كان إنهاء الحرب في اليمن ووقف الحملات الاعلامية المتبادلة أو بالواسطة، ويبدو أن هذا الاتفاق شق طريق الايجابية التي ستلفح من دون شك كل دول المنطقة ولبنان على وجه الخصوص.

وسرعان ما انخفض منسوب التوتر بين الفرقاء المؤيدين لكل من طهران أو الرياض، وبدأت التسريبات التي تشي بأن حظوظ هذا المرشح أو ذاك تتراجع أو ترتفع ولكن من دون الاستناد إلى أي معطى غير “التمنيات”، إلى أن حط في بيروت وزير الخارجية الايرانية حسين أمير عبد اللهيان الذي التزم في تصاريحه بإعلان عدم تمسك طهران باسم أي مرشح ودعوته إلى التوافق لانتخاب رئيس على اعتبار أن هذا الأمر شأن داخلي.

ولاقى سفير خادم الحرمين الشريفين لدى لبنان وليد بخاري هذا الموقف بالتشديد من جهته على عدم التدخل في الشأن الرئاسي من حيث عدم الدخول في لعبة الأسماء وعدم وجود أي فيتو على أسم أي مرشح، وأن على اللبنانيين أن يتوافقوا في ما بينهم من أجل انتخاب رئيس يضعهم على سكة التعافي.

اعتبر الفريق الممانع أن عدم وجود فيتو سعودي على أي اسم يعني عدم وجود فيتو على فرنجية، لكن حقيقة الأمر هي أن عدم وجود فيتو على فرنجية لا يعني عدم الممانعة في انتخابه، وذلك واضح من خلال الموقف الرسمي للمملكة التي أعلنت أنها ستتعاطى مع الرئيس المنتخب وحكومته استناداً إلى برنامج عملهما، وهي تتخذ عندها المواقف الايجابية أو السلبية من العهد.

في المقابل، بدأت المبادرات الحوارية تتفاعل عقب الجولة التي باشر بها نائب رئيس المجلس النيابي الياس بو صعب من جهة، والنائب التغييري غسان سكاف، اللذان جالا على مختلف القوى السياسية بهدف التفاهم حول اسم مرشح حيادي لا يشكل تحدياً لأي فريق، مشددين على وجوب انتخاب رئيس في أقرب وقت ممكن ولا شيء يحل هذه المسألة إلا الحوار.

وفاجأ بري من جهته المراقبين حين أعلن أمس عن ضرورة انتخاب رئيس للجمهورية قبل 15 حزيران المقبل لأن استمرار الفراغ الرئاسي بعد هذا التاريخ له تداعيات سيئة وخطيرة.

هل يعتبر كلام بري مهلة حث وبالتالي بدأت مرحلة النزول عن الشجرة وسقف المواقف العالية التي أطلقها الفريقان؟ وهل إن دعوة جنبلاط الى ضرورة الحوار والتوافق على شخصية “وسطية” تدفع رفاقه السياديين إلى القبول بأحد الأسماء التي طرحها أو غيرها كما قال جنبلاط هو نفسه بأنه غير متمسك بأي اسم؟ وهل ستصحّ التوقعات التي سرت أخيراً بأن لبنان سيشهد انتخابات رئاسية في حزيران المقبل خوفاً من الفراغ الذي سيدخل فيه لناحية حاكمية مصرف لبنان؟

إن غداً لناظره قريب.

شارك المقال