طرابلس: لحظات عصيبة… وفوضى مخيفة

إسراء ديب
إسراء ديب

جولة عنف جديدة سجلتها مدينة طرابلس أدّت إلى سقوط جرحى في صفوف الأجهزة الأمنية كما المتظاهرين، وهي تعيش لحظات هدوء قبل توقّع حدوث عاصفة جديدة من الاحتجاجات تنديدًا بالتردّي الاقتصادي الخطير.

ولم يكن اشتعال طرقات وجبهات في المدينة بمستغرب أو غير متوقّع، فقد توقّعت أوساط طرابلسية حدوث حالة من الفوضى، تتمثل بقطع الطرقات ووقوع بعض الإشكالات في المدينة بسبب الأزمات التي ضربت مؤسسات الدّولة والمواطن، ما أدّى إلى غليان الشارع الطرابلسي مجدّدًا.

وبالفعل، اشتعلت الأحداث في طرابلس ومعها الطرقات التي قطعت في كثير من المناطق والأحياء وعاشت المدينة ليلة ساخنة وصاخبة، وأعلن عدد من المتظاهرين عصيانهم وثورتهم على “السلطة السياسية التي أحرقتنا وأنهت كلّ ما يُمكن أن يبث الحياة بين الناس في لبنان”.

كما وقعت مواجهات عنيفة بين القوى الأمنية وبعض المتظاهرين في أحياء مختلفة، فضلًا عن الكثير من الإشكالات التي أحدثت قلقًا بين الأهالي.

طابور خامس أو احتجاجات ثورية؟

يُشير أحد العارفين بأوضاع المدينة لـ” لبنان الكبير” إلى أنّ “أحداث طرابلس مؤخرًا وما يُطلق عليها بجولات العنف، هي أمر مقصود تتبع سيناريو واضحاً وخطة من طابور خامس يسعى لإثارة الفتنة وإحداث فوضى في طرابلس، ولكن الجيش اللبناني تمكّن من الإمساك بزمام الأمور ومنع حصول أيّ تدهور أمني قد لا تُحمد عقباه في مدينة شبعت من اشتعال الجبهات فيها بعد أكثر من 20 جولة عنف منذ سنوات”.

ويُؤكّد أنّ “الجيش اللبناني لا يُريد الدخول في مواجهات مباشرة مع المتظاهرين، ويُحاول قدر الإمكان منع حصول تجاوزات تُؤدّي إلى حدوث تفلت أمنيّ يجر المدينة إلى نفق مظلم جديد”، مشدّدًا على أنّ “أهالي المدينة لا يقبلون على الإطلاق حصول تجاوزات ضدّ الجيش اللبناني مهما حصل، وهم دائمًا على أتم الاستعداد للدفاع عن المؤسسة العسكرية”.

ويُشدّد على أنّ “نائبين من المدينة لم يكتفيا كما غيرهما من النواب الطرابلسيين بسنوات أهملوا فيها مدينتهم واستمرّوا في التمسك بمناصبهم لسنوات بلا أيّ جدوى أو فائدة تُسهم في تنمية طرابلس وأهلها، بل عملا على “تجييش” مناصريهما ضدّ المتظاهرين وذلك من خلال السماح لهم بالاعتداء عليهم من جهة، وحماية المكاتب التابعة لهم أو أيّ مكتب مرتبط بهم، إضافة إلى حماية منازلهم بالسلاح والقوة من جهة ثانية”، مؤكّدًا أنّهما “يستعينان بالقوّة دائمًا لإخفاء إهمالهما لقضايا المدينة”.

النائب مشغول والشارع يغلي

وبعد سقوط جرحى في المدينة قرب منزل النائب محمّد كبارة بعدما أطلق الحراس النار على المحتجّين، وقيام المحتجين برشق مكتب النائب كبارة في التل بالحجارة، أجرينا اتصالًا بالنائب كبارة لتوضيح ما حدث بالتفاصيل، إلا أنّه ردّ كالآتي: “أنا مشغول الآن”.

في المقابل، يرفض الكثير من الطرابلسيين اعتبار أنّ ما حصل من أحداث في المدينة يعود إلى وجود طابور خامس، ويقول جمال أ.: “المواطنون كفروا بسبب هذه الأوضاع وليس بالضرورة أن نعيد كلّ ما يحصل لطابور خامس وغيره من نظريات المؤامرة التي تحدّ من التغيير، ومن المعيب أن نخوّن بعضنا بعضًا بل يجب الوقوف إلى جانب الثوار والجيش على حدّ سواء لأنّه المؤسسة الوحيدة في لبنان التي ما تزال شفافة ومقاومة، وعلى كلّ اللبنانيين الانضمام إلينا في هذه الاحتجاجات كيّ نحدّ من تعدّي الدّولة على حقوقنا”.

أمّا ياسمين و. فتعتبر أنّ مدينة طرابلس تُحارب الفساد، “وهي أوّل من أعلن الانتفاض ضدّ السلطة الفاسدة وهي عروس الثورة، ودائمًا ما تكون السباقة والأولى في إعلان ثورتها ومعارضتها للوضع الاقتصادي المريب”.

أجواء مخيفة

الحقيقة أنّ طرابلس ليست بخير، وكلّ من يجول في شوارعها مؤخرًا، متنقلًا بين أحيائها وأزقتها يُخيّل إليه أنّ الحرب التي دامت لسنوات قد عادت إلى المدينة من جديد، إذ أقفل العديد من التجار محلّاتهم التجارية إمّا بشكلٍ فردي أم بطلب من الثوار، لا زحمة سير خانقة كما اعتدنا عليها منذ سنوات، لا حركة ناشطة في أيّ حي أو مناطق كانت تعجّ فيها الحركة في وقتٍ سابق، وهذا التغيير الملموس ليس إلّا مؤشرًا خطيرًا إلى مراحل صعبة ستُأتي على المدينة، في ظلّ تخوّف طرابلسيّ من التطوّرات الأمنية في الأيّام الأخيرة العصيبة.

في هذا السياق، يقول صلاح صيادي وهو صاحب محل في سوق القمح وكان أقفل محلّه تنديدًا بارتفاع سعر صرف الدولار لـ” لبنان الكبير”: “يُقفل عدد من التجار أبواب محلّاتهم بطلب من الثوار، أما أنا كما مع عدد من المحلات الأخرى قمنا بإقفالها بقرار فرديّ، لأنّنا لن نتمكّن من تحمّل المزيد، ومتابعة العمل سيزيد من خسارتنا ويُخسرنا زبائننا الذين لا يتحمّل معظمهم هذا الضغط”.

من جهته، يقول أسامة الشيخ صاحب محل آخر في السوق: “الوضع لن يكون هادئًا ومسالمًا بعد هذا الارتفاع الجنوني في سعر صرف الدولار، بل سيكون هناك تصعيد كبير بسبب فقدان الأمل من المسؤولين الذين أهملوا أوضاعنا كثيرًا”.

ليس خافيًا أنّ المدينة باتت تعج بأنين أهلها وشعورهم باليأس من تدهور الأوضاع الراهنة، ومع ارتفاع سعر صرف الدولار بشكلٍ كبير وفقدان المحروقات مع إقفال العديد من المحطات أبوابها أمام المواطنين، شعر الطرابلسيون أنّ “السكين باتت حادة للغاية وتقطع أنفاسهم وأرزاقهم المتبقية، ممّا يدفع البعض منهم إلى الاحتجاج علّه يجد مخرجًا من أزماته، ولكن في كلّ مرة يتجه المواطن الطرابلسي فيها إلى الاحتجاج وإعلان ثورته على كلّ من أوصلنا إلى الدرك الأسفل، يبدأ التراشق السياسي بين الأطراف وتتحوّل المدينة بلحظات إلى صندوق بريد يتبادل فيه السياسيون رسائل سياسية تُفجر الأوضاع أكثر فأكثر.

كلمات البحث
شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً