بين السياسة والدستور… لماذا يتكرر الشغور؟

عاصم عبد الرحمن

إميل لحود، ميشال سليمان وميشال عون، ثلاثة رؤساء سابقين للجمهورية بعد اتفاق الطائف خلفوا وراءهم شغوراً في سدة الرئاسة تراوحت مدتها بين 6 أشهر وعامين ونصف العام شهدت أحداثاً عسكرية – فتنوية في 7 أيار 2008، مواجهة مع الارهاب طاولت فيها تفجيرات عديدة متنقلة بيروت وطرابلس والهرمل وعرسال وغيرها في الأعوام 2014، 2015، 2016، وانهياراً مالياً واقتصادياً هو الأسوأ في التاريخ الحديث. فهل يكمن الخلل الرئاسي في الطبقة السياسة أم في الدستور؟

في ما يتعلق بانتخاب رئيس الجمهورية اللبنانية تنص المادة 73 من الدستور على أنه: “قبل موعد إنتهاء ولاية رئيس الجمهورية بمدّة شهر على الأقل أو شهرين على الأكثر يلتئم مجلس النواب بناءً على دعوة من رئيسه لانتخاب الرئيس الجديد. وإذا لم يُدعَ المجلس لهذا الغرض فإنه يجتمع حكماً في اليوم العاشر الذي يسبق أجل انتهاء ولاية الرئيس”.

كما تنص المادة 49 من الدستور على أنه: “يُنتخب رئيس الجمهورية بالإقتراع السري بغالبية الثلثين من مجلس النواب في الدورة الأولى، ويُكتفى بالغالبية المطلقة في دورات الإقتراع التي تلي. وتدوم رئاسته ست سنوات ولا تجوز إعادة إنتخابه إلا بعد ست سنوات لانتهاء ولايته. ولا يجوز إنتخاب أحد لرئاسة الجمهورية ما لم يكن حائزاً على الشروط التي تؤهله للنيابة وغير المانعة لأهلية الترشيح”.

إذاً، يبدو أن الدستور واضح في ما خص انتخاب الرئيس لناحية المهلة الدستورية التي تسبق انتهاء الولاية، شروط الانتخاب ومؤهلات الترشح، ولا يحتاج ذلك إلى تأويلات واجتهادات دستورية تشرح كيفية إتمام عملية انتخاب رأس الدولة اللبنانية.

أما في ما يتعلق بحدوث الشغور الرئاسي الذي أصبح عرفاً إثر تكراره مرتين وأكثر فقد نصّت المادة 62 من الدستور على أنه: “في حال خلو سدّة الرئاسة لأي علّة كانت تناط صلاحيات رئيس الجمهورية وكالة بمجلس الوزراء”.

كذلك نصّت المادة 74 من الدستور على أنه: “إذا خلت سدّة الرئاسة بسبب وفاة الرئيس أو استقالته أو بسبب آخر فلأجل انتخاب الخلف يجتمع المجلس فوراً بحكم القانون، وإذا اتفق حصول خلاء الرئاسة حال وجود مجلس النواب منحلاً تدعى الهيئات الانتخابية دون إبطاء ويجتمع المجلس بحكم القانون حال الفراغ من الأعمال الانتخابية”.

يتضح من هذه النصوص أن المشرّع الدستوري أراد تحديد مدة ولاية رئيس الجمهورية تحديداً دقيقاً بست سنوات ولا يمكن تمديدها أو تجديدها إلّا بتعديل دستوري. كذلك، تناول انتقال صلاحيات رئيس الجمهورية إلى مجلس الوزراء معتبراً أن ذلك عمل دستوري تلقائي يحصل بصورة مباشرة من دون أي مراسم أو إجراءات، بمعنى آخر عندما تنتهي ولاية رئيس الجمهورية عليه مغادرة القصر الجمهوري لتصبح صلاحياته كافة منوطة بمجلس الوزراء مجتمعاً.

لم يترك الدستور اللبناني مجالاً لحدوث شغور في السلطة الاجرائية منعاً لسقوط الدولة والمؤسسات الدستورية في الفراغ الذي تصيب سهامه سير المرافق العامة ويؤدي إلى توقفها عن العمل، وبالتالي سقوطها في حال استفحال هذا الشغور وتمدده.

وحرص الدستور أيضاً على ضرورة البدء بالتحضير لانتخاب الرئيس الخلف قبل انتهاء ولاية السلف بشهرين على الأكثر إفساحاً في المجال أمام اتفاق القوى السياسية الحاكمة والتي يفترض أنها تحكم، إلا أن التجربة اللبنانية تشي بعكس ذلك.

فبعد جلاء الوصاية السورية عن لبنان تبين بوضوح فشل الطبقة السياسية في الاتفاق على حكم نفسها، وأثبتت عجزها عن الممارسة السياسية والديموقراطية وأظهرت حاجتها الدائمة إلى وصي سياسي خارجي وراعٍ إقليمي ودولي بدليل انتخاب الرئيسين السابقين الياس الهراوي وإميل لحود والتمديد لهما في زمن الاحتلال السوري، حينها لم يكن مصطلح الشغور الدستوري قد تسلل بعد إلى الأدبيات السياسية اللبنانية.

على وقع الشغور الرئاسي الثالث وبعد خروج السوري من لبنان يتبادر إلى أذهان اللبنانيين ما مفاده الحاجة إلى مَنْ يتولى ممارسة الوصاية عليهم، متخوفين من تقديم بلادهم كفدية أو مكافأة ما في زمن تقارب الخصوم والأضداد في المنطقة والاقليم والعالم كتلك المكافأة اللبنانية التي تلقاها حافظ الأسد جراء وقوف سوريا إلى جانب التحالف الغربي ضد العراق في أواخر ثمانينيات القرن الماضي.

اعتاد ساسة لبنان ارتداء ثوب التسويات التي تحيكها القوى الخارجية منذ ما قبل أعوام الفتنة عام 1840 مروراً بثورة الفلاحين يومها انقسم الدروز والمسيحيون بين الانكليز والفرنسيين، وعند إعلان دولة لبنان الكبير عام 1920 الذي كان نتاج تقاسم المنطقة العربية على أثر اتفاق سايكس – بيكو عام 1916. أما اليوم ومع تبدل موازين القوى العالمية وتوسع ساحات النفوذ الاقليمية وتحاصصها فلأي محور ستُمنح الوصاية على لبنان؟

شارك المقال