عون… إلى ما شاء الله!

أنطوني جعجع

لم يعد السؤال هل يشكل الرئيس سعد الحريري حكومة إنقاذية أو اختصاصية أو مستقلة أو أي حكومة من أي نوع، بل أصبح: هل يخرج الرئيس ميشال عون من قصر بعبدا في الوقت المحدد، ام يتمسك بالرئاسة إلى ما شاء الله هذه المرة حيث فشل زمن الحكومة العسكرية الانتقالية؟

سؤال يراود الكثير من المراقبين المحليين والدوليين، في وقت يبدو الجنرال اكثر اهتماماً بمن يخلفه لا أكثر اهتماماً بما يخلّف وراءه، وفي وقت يبدو “حزب الله” عاجزاً حتى اللحظة عن إيجاد أرضية خصبة تبقي عون بحكم الأمر الواقع أو أي شخصية من محيطه أو حظيرته في السلطة ريثما يتحدد لون الدخان الذي قد يتسلل من المفاوضات الجارية بخطى بليدة بين الإيرانيين والاميركيين في فيينا.

وليس خفياً أن ما يجري في فيينا منذ أشهر لا يحمل أخباراً طيبة للإيرانيين الذين ردوا باختيار رئيس متشدد لقيادة البلاد في الفترة المقبلة، ما يعني عملياً أن حلفاءهم في كل من اليمن والعراق وسوريا وغزة ولبنان لن يكونوا أقل تشدداً، وما يعني أيضا أن الأميركيين لن يكونوا من فئة “الحمائم” في مواجهة خصم، يتبع في الواقع استراتيجية إسرائيلية قديمة جديدة تقوم على مبدأ “السلام في مقابل السلام لا السلام في مقابل الأرض” أي الاستراتيجية التي تقوم على مبدأ  رفع العقوبات في مقابل اتفاق نووي ملتبس لا رفع العقوبات في مقابل لجم “الثورة الإسلامية”  التي تكاد تضرب في كل مكان.

وسط هذا المشهد، يدخل ملف الحكومة اللبنانية، الذي لا يحمل أي عقبة جوهرية تتعدى العناد القائم على العرقلة المقصودة لا على أي غبن جدي يتعلق بـ”حقوق مهدورة ” أو مثالثة محتملة، أو محاصصات غير متوازنة، وهي عرقلة تقوم على هدفين  :

– إما العمل على تشكيل حكومة تحكم بصفتها سلطة تختصر في حالات الفراغ صلاحيات الرئاستين الأولى والثالثة.

–  وإما الإبقاء على حكومة حسان دياب، ريثما تتوافر الظروف المناسبة لإبقاء بعبدا رهينة لدى الضاحية الجنوبية عبر رئيس يكمل ما بدأه عون منذ العام ٢٠٠٦.

وليس خفياً على هؤلاء المراقبين أن تلك الظروف المنشودة ليست متوافرة الآن لأسباب عدة أهمها سقوط التفاهمات عن آخرها بين الرئاسة الأولى والرئيس الحريري من جهة، وخروج الرئيس نبيه بري من أي كتلة نيابية يمكن أن توفر النصاب المطلوب لانتخاب جبران باسيل رئيساً للجمهورية من جهة ثانية، وتحول الصهر إلى الحيثية التي كسرت ظهر “التفاهم” بدل أن تسنده من جهة ثالثة.

وما يزيد من روافد العراقيل أن الإحصاءات وحالات الرصد التي يجريها “حزب الله” على الأرض، تؤكد أن حليفه “البرتقالي” قد لا يتمكن من الاحتفاظ بكتلة نيابية وازنة، وأن ما قد يفقده هذا الحليف قد يذهب إلى صفوف المعارضة سواء كانت حزبية أو من ممثلي المجتمع المدني.

ولهذه الأسباب، يمتنع كل من “حزب الله” والتيار الوطني الحر عن الدعوة إلى ملء الشواغر التي نتجت عن غياب عشرة نواب سواء بالاستقالة أو بالوفاة، على رغم المحاولات التي بذلها الرئيس بري المطلع على اتجاه الرياح الشعبية في المناطق المسيحية، وسط أجواء تؤكد أنه يشعر بالندم لقبوله استقالة النواب الثمانية بسرعة قياسية، مشيرة إلى أن الرجل يعتبر أن هؤلاء كان يمكن أن يكونوا، في حالة الفراغ الرئاسي، بيضة القبان في معركته ضد “جبران الرئيس”.

ويتخوف الكثير من المعنيين بأمور لبنان من أن يعمل “تحالف مار مخايل” على تأجيل الانتخابات في أيار المقبل تحت ذرائع متعددة، وذلك تهرباً من كابوس غالبيةٍ جديدة قد تقلب المسارات الحالية رأساً على عقب.

من هنا نستطيع أن نقرأ بين سطور الخلاف الحاد بين بري وباسيل، أجواءً تفيد بأن رئيس حركة “أمل” يلوح بقطع يديه قبل انتخاب “هذا الفتى”، وفي وقت يلوح الرئيس عون بالفراغ وقلب الطاولة على رؤوس الجميع وفي مقدمهم “حزب الله”، إذا لم يبادر إلى تطويع جاره الشيعي، وحمله على تأمين النصاب الرئاسي المطلوب.

والواقع أن ما يطلبه عون لا يبدو أقل من دعوة غير بريئة إلى صدام بين “حزب الله” و”أمل”، ودعوة أخرى إلى المساعدة في تأجيل الانتخابات الفرعية والشاملة، واللجوء إلى سلاح تعطيل النصاب الذي أثبت فعاليته في السابق بحيث أعطى عون ما حلم به طويلاً، وأعطى حسن نصرالله ما خطط له طويلاً أيضاً.

وليس من باب المصادفة أن تشتعل الجبهات الكلامية بين “أمل” و”التيار”، وأن تفتح الملفات بهذه الشمولية التي لم تخفِ شيئاً من ملفات العمالة والفساد والسمسرات والولاءات وسواها، لتجعل “حزب الله” عالقاً في المنطقة الرمادية بين جار شيعي لا يستطيع إلغاءه، وحليف مسيحي لا يستطيع الاستغناء عنه، على رغم كل الاحراجات القائمة بين الطرفين  والهفوات التي تصدر من ماكينات باسيل المباشرة وغير المباشرة.

وتشير أجواء “حزب الله” إلى أن أمينه العام يعرف جيداً أن كل التسويات التي قامت سواء بفضله أو مصادفة، سقطت أو تسقط تباعاً، وأن أمر التقاطها لم يعد يتم برفع إصبع من هنا أو بتدخل وسيط من هناك، فهو يعرف أن البلاد مفلسة والمصداقية معدومة، والضغوط شديدة، والعقوبات خانقة، والشعب بات أكثر ميلاً إلى التغيير منه إلى المراوحة.

وأكثر من ذلك يهمس “حزب الله” في كواليسه أنه أراد عون رئيساً فاعلاً لا رئيسا صورياً، وأنه أراد باسيل مشروع رئيس واعداً لا “فتى أرعن” لم يحقق أي إنجاز يتعدى اللغة الخشبية أو الحالمة، ولم ينجح إلا في مد يده إلى  الخير العام والخاص، وفي تحريض العالمين العربي والدولي عليه وتطويقه بالعقوبات، وفي إشعال الحرائق على كل الجبهات حتى داخل البيت الشيعي في مكان والبيت الإيراني السوري  في آخر.

وأكثر من ذلك أيضاً،  يعرف “حزب الله” أنه أخطأ عندما اكتفى بحماية سلاحه واستراتيجيته الإقليمية وبيئته قانوناً وشرعياً وتجاهل شؤون الناس وحاجاتهم،  ويدرك أن المجتمع الدولي بدأ حملة ضغوط  واسعة وجدية لحمل السلطات اللبنانية على إجراء الانتخابات في موعدها، ملوحاً بقرار أممي قد يتضمن البند السابع في حال تأجيلها، وعلى تشكيل حكومة إصلاحية  والسير في شكل من أشكال “التدويل” غير المباشر  من بوابة  المساعدات  التي يشترط توزيعها تحت إشرافه المباشر،  بحيث يقف أركان السلطة  في موقع المتفرجين لا موقع المتحكمين.

ويكشف مقرب من الفريقين أن حسن نصرالله يجد نفسه في مواجهة رئيس لم يعد لديه ما يعطيه، وحالم لم يعد لديه ما يسَّوقه، وشيعي لم يعد لديه ما يصبر عليه، وشعب لم يعد لديه ما يؤمن به أو يراهن عليه، وإغراءات عبثية تحاول الغالبية النيابية تسويقها من دون أي صدى إيجابي يعتد به حتى الآن على الأقل.

ويضيف، أن “حزب الله” بات يسمع كلاماً مؤذياً من مصادر التيار تقوم على الآتي: “لقد انقذناك شعبياً بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري وتخلينا عن معظم الذين منحونا الغالبية المسيحية ومنهم البطريرك مار نصرالله بطرس صفير، وها أنت تقف على الحياد يوم احتجنا إليك في مواجهة ركن من أركان الشارع الشيعي”.

ويذهب المصدر بعيداً إلى حد الكشف أن “حزب الله”، وعلى الرغم من مأخذه على الرئيس بري، رد بأنه لن يفتح قبور الصراع الدموي السابق مع أمل، ولن يسجل على نفسه أنه فعل بشارعه الشيعي ما فعله عون بشارعه المسيحي خلال حرب الإلغاء.

إنها في اختصار الجيوش التي وجدت نفسها، لغير سبب وغاية، في مواجهة بعضها البعض، ووسط ميدان بات قائماً على شد الحبال وتناتش الفرص والمصالح وتصويب المسارات والحسابات والدوران حول حلقة من العسل بطعم العلقم.

وهكذا نعود إلى السؤال الأول: هل يخرج عون من قصر بعبدا في الوقت المحدد؟ الجواب هو نعم ولكن…

يخرج أولاً إذا ضمن وصول صهره إلى الرئاسة. ويخرج ثانياً اذا تمكن مجدداً من استقطاب الرئيس بري عبر ضغط من الرئيس الأسد أو عبر تسويات جديدة. ويخرج ثالثاً إذا تمكن من “فقش” أمواج “الإستاذ” على “صخرة عون” كما همس أحد مستشاري باسيل. وإذا وجد رابعاً بديلاً قد يكون وليد جنبلاط المتربص لأي فرصة قد تصب في مصلحته أو مصلحة طائفته.  وإذا قرر خامساً أن يخرج كما خرج في المرة الأولى، وإن لم تصدقوا اسألوا الشهيد رينيه معوض أو اسألوا “الثالث عشر” من تشرين أو تذكروا معادلة “الضاهر أو الفوضى”…

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً