وزارة خارجية لبنان أو الممانعة؟

جورج حايك
جورج حايك

على هامش القمة العربية التي انعقدت الجمعة الفائت في جدة، أوحى وزير الخارجية اللبناني عبد الله بو حبيب بأن لا مشكلة للبنان مع سوريا ونظامها، محاولاً الاستفادة من أجواء انفتاح العرب على رئيس النظام السوري بشار الأسد، مهللاً ومحتفلاً به.

أما الأكثر استفزازاً فكانت محاولته مقارنة عقبات عودة اللاجئين السوريين الى بلادهم بعودة المغتربين اللبنانيين الى لبنان! وكأن بو حبيب أخذ على عاتقه التبرير للنظام السوري في حال امتنع عن إعادة اللاجئين وخصوصاً المقيمون في لبنان، وهذا موقف يرتقي إلى مستوى الخطيئة لا الخطأ.

وفي حضور بو حبيب تنطّح وزير الخارجية السوري فيصل المقداد بالقول ان اللاجئين السوريين يجب أن يعودوا إلى وطنهم وهذه العودة تحتاج إلى إمكانيات، رافضاً الكلام عن “شروط”، فيما انتظر اللبنانيون أن يأتي الرد من بو حبيب بأن لسنا معنيين بأي امكانيات، وليتفضل النظام السوري باستقبال مواطنيه عائدين من لبنان، إلا أنه التزم الصمت ضاحكاً ومستسلماً لا حول ولا قوة!

ولعل جزءاً من مشكلة لبنان اليوم يتمثّل في ديبلوماسيته الفاشلة التي تتعامى عن جوهر الأزمة اللبنانية خوفاً من هيمنة سلاح “حزب الله” أو اقتناعاً ساذجاً بنظريات محور الممانعة، وهذه الديبلوماسية مثّلها سلسلة وزراء خارجية منذ اتفاق الطائف عام 1990 وحتى اليوم، جميعهم يدورون في فلك النظام السوري و”حزب الله”، ونذكر منهم: فارس بويز، جان عبيد، محمود حمود، جبران باسيل، فوزي صلوخ، عدنان منصور، شربل وهبه وعبد الله بو حبيب.

واللافت أنه مع أداء بعض هؤلاء الوزراء تراجع حضور لبنان السياسي الخارجي، الى مندركات لم تخطر يوماً في بال الآباء المؤسسين للجمهورية اللبنانية، فأصبح، بعد العام 1990، على وزير الخارجية اللبناني أن يأخذ إذناً من وزير خارجية سوريا قبل أن يلقي خطاباً في أي محفل عربي أو دولي، وذلك في إطار ما سمي بـ”معاهدة الأخوة والتنسيق”، بين لبنان وسوريا، ومقولات سادت خلال زمن الوصاية، من نوع “شعب واحد في دولتين”. وكان على وزير الخارجية اللبناني أن ينتظر كلمة نظيره السوري في أي محفل دولي، ليبني عليها مقتضى كلمته، أو ليبني رئيس جمهورية لبنان مقتضى خطابه.

انتهى عهد الوصاية السورية، فاستبشر اللبنانيون خيراً، إلا أن لبنان سرعان ما وقع تحت الوصاية الايرانية، فبات وزراء الخارجية ملحقين بدولة “حزب الله” أو محور الممانعة، من دون أن يأخذوا في الإعتبار مصلحة الدولة اللبنانية!

لكن ما قبل 1990 كان الأمر مختلفاً، ولا يسعنا أمام واقعنا البائس اليوم إلا أن نتذكّر الحقبة الذهبية للدولة اللبنانية التي مرّ فيها وزراء خارجية رفعوا اسم لبنان عالياً في المحافل العربية والدولية، ومن بينهم حميد فرنجيه وشارل مالك وفؤاد بطرس وايلي سالم… وأهمية هؤلاء أنهم أعطوا اهتماماً استثنائياً لصورة لبنان وكيانه.

ولا بد من الاضاءة على وزيري خارجية لا يزال اللبنانيون يفخرون بهما، ويبدو أن لبنان بأمسّ الحاجة اليهما اليوم: الأول هو شارل مالك الذي كان صلباً وقاطعاً وثابتاً على موقف سلبي من الاتحاد السوفياتي، وحين أصبح وزيراً للخارجية توج هذه العقيدة بمعاداته بكل السبل. وربما يحتاج بو حبيب اليوم إلى القراءة في تجربة مالك كي يتعامل كما يجب مع النظام السوري الذي لا يفهم الا بالسلاح والقمع وانتهاك حقوق الانسان، فيما التحرر هو التنوير والحرية!

واجب على كل وزير خارجية لبناني أن يطلع على فكر شارل مالك، ويتعلّم من تجربته أن لا تكون لديه أولوية سوى الدفاع عن مصالح دولته وشعبه فقط، لا الاكتفاء بالتصفيق لوزير خارجية دولة أخرى يدافع عن نظامه الذي ينتهك كرامة الشعب السوري المهجّر قسراً من بلده، ويستفيد من دولة صغيرة مجاورة كلبنان لا تتسع لهذا الكمّ الهائل من اللاجئين. وهنا نسأل كيف السبيل إلى التعامل مع نظام ديكتاتوري شمولي يسحق الانسان الفرد في سبيل إعلاء شأنه؟

ما كنا نتمناه أن يكون موقف وزير خارجية لبنان مبشّراً بالأخلاق والقيم الانسانية في صنع السياسات. فصنع السياسة يجب أن يأخذ في الاعتبار أيضاً أيديولوجية تلتزم بالحق والأخلاق والعدالة.

أما الثاني فهو وزير الخارجية فؤاد بطرس الذي تلقى في تشرين الثاني 2000 دعوة من الرئيس السوري بشار الأسد لزيارة دمشق والاجتماع به، بغية التداول في العلاقات اللبنانية – السورية، وبصورة خاصة في العلاقات بين الفريق المسيحي وسوريا التي انتابها تدهور كبير. لبى بطرس الدعوة وعقد اجتماعاً مع الأسد في 20 تشرين الثاني. تبادلا فيه الآراء ووجهات النظر في صدد العلاقات الثنائية، وقد تميز بالمصارحة الى أبعد حدود. ويذكر بطرس أنه عندما سأله الرئيس الأسد عما يمكن القيام به من أجل تحسين العلاقات اللبنانية – السورية، أجابه: “في الواقع لم يعد لدينا شيء نعطيه، ليس الممكن إلا أن نأخذ، على أن نبدأ بإعادة النظر في كل الاتفاقات المعقودة بين البلدين في عهد والدك، لأن فيها إجحافاً في حق لبنان”.

بإختصار، يتوق الشعب اللبناني إلى هذه الطينة من رجال الدولة، أما اليوم فيعيش لبنان أسوأ أيامه قتامة، بل لم يشهد حالاً من الضحالة كالتي نراها فيه الآن، فسياسة لبنان الخارجية معدومة، بل تكتفي بردود الفعل. انه زمن المحل بإمتياز!

شارك المقال